حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ

  • الحلقة الثالثة
  • 2016-04-27

حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


العبرة من قصة حاطب بن أبي بلتعة :
أيها الأخوة؛ موقفنا اليوم يرويه لنا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، يقول:

{ بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أنا والزبيرَ والمقدادَ، فقال: انطلقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خَاخ }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي]

هذا موقعٌ قريبٌ من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ فإنَّ بهَا ظَعِينَةً }

أي امرأةً في هودج.

{ معها كتابٌ فخذوه منها، قال عليٌ: فانطلقنا تَتعَادَى بنَا خَيْلُنَا }

أي سِراعاً.

{ حتى انتهينا إلى الموضع فإذا نحن بالظعينة }

أي المرأة.

{ فقلنا لها: أخْرِجِي الكِتَابَ؟ فَقالَتْ: ما مَعِي مِن كِتَابٍ }

أنكرت.

{ فقلنا لها: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا }

أي من ضفيرة شعرها.

{ فأتَيْنَا به النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا في الكتاب: مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ }

وهو صحابيٌ مسلم.

{ إلى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ من أهل مكة، يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ }

هذه خيانةٌ عظمى حاطب بن أبي بلتعة يرسل كتاباً إلى المشركين يُعلمهم بأسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ فقال صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله لا تَعْجَلْ عَلَيَّ إنِّي كُنْتُ امْرَأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها }

أنا لست من نسب قريش وإنما أُلصقت بها إلصاقاً.

{ وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لهمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بهَا أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ بمَكَّةَ، فأحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يَدًا يَحْمُونَ بها قَرَابَتِي، وما فَعَلْتُ ذلكَ كُفْرًا ولَا ارْتِدَادًا ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد صدقكم حاطب، قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي]

هذا هو الموقف.
لنعود أنفسنا أن نقبل عذر المعتذر
وأما العبرة فهي أن نقبل عذر المعتذر، لقد قام حاطب بعمل يُعَدُّ في كل الشرائع والقوانين خيانةً عظمى، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قَبِلَ عذره، بعض الناس لا يقبل من أحدٍ عذراً، ولا يلتمس لأحد مخرجاً، وإنما شأنه أن يحرج الناس من حوله ويُلجئهم إلى الكذب إلجاءً، لنعود أنفسنا أن نقبل عذر المعتذر، وأن نعفو عنه، ونتجاوز عن خطئه، قال لهم صلى الله عليه وسلم بعد أن سمع عذر حاطب: لقد صدقكم، وانتهى الأمر، لقد نظر عمر رضي الله عنه إلى الذنب فوجده كبيراً فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، بينما نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى صاحب الذنب فوجده مغلوباً أمام لحظة ضعفٍ طارئ ألمت به، وشتان بين أن تنظر إلى الذنب وأن تنظر إلى صاحب الذنب.

قبول عذر المعتذر و البحث عن إيجابياته و تجاوز سلبياته :
لا تنس عمل إنسانٍ ولو أذنب
أخي المربي، أنت أيها المعلم، أيها الأب، أيتها الأم، لا تنظروا إلى الذنب ولكن انظروا إلى الظروف التي ألمت بصاحبه، فليس الهدف أن نعاقب صاحب الذنب بل الهدف أن نصلحه، فإن تمّ الإصلاح بغير عقوبة فهذا هو الأصل، أنت في ذنوبك مع الله لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر على من اجترأت، لكن في تعاملك مع الناس لا تنظر إلى الذنب بعينه بل انظر إلى صاحب الذنب، حاطب يحب الله ورسوله، حاطب جاهد تحت راية الإسلام في بدر، يوم كان الإسلام كله يَعُدُّ ثلاثمئة أو يزيدون قليلاً، حاطب ما فعل ما فعل خيانة لله ورسوله ولكنه اجتهد فأخطأ، لا تنس عمل إنسانٍ ولو أذنب مهما يكن ذنبه كبيراً، هذا الدرس نتعلمه من قول النبي عليه الصلاة والسلام عن حاطب: إنه شهد بدراً، و أنت أيها الأب إن أردت أن تُؤنِّبَ ابنك على تقصيرٍ فقل له: لقد أعجبني ما فعلته في الأسبوع الماضي من بر ومحافظةٍ على الدراسة وصلاةٍ إلا أن سلوكك اليوم لم يكن مقبولاً.
أيها الأخوة؛ هذا الموقف يعلمنا أن نقبل عذر المعتذر، وأن نحفظ له عمله السابق، وأن نبحث عن الإيجابيات ونبدأ بها، ونتجاوز عن السلبيات ونتركها، وإلى لقاءٍ آخر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته