• خطبة جمعة
  • 2025-08-08
  • سورية - دمشق
  • مسجد عبد الغني النابلسي

المؤثرون

يا ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات والأرض، وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عزك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك، والأمر كله إليك، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذريِّة سيدنا محمدٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً.

مقدمة:
وبعد أيُّها الإخوة الأكارم: قبل أشهُرٍ أُعلِن في مدينةٍ عربيةٍ عن حفلٍ غنائي، حضر الحفل أكثر من مئة ألف شخص، ودفعوا مبلغاً كبيراً ثمناً لتذاكر الدخول، بعد ذلك اضطُرَّ القائمون على الحفل إلى إلغائه، بسبب حالات الإغماء الناتجة عن شدة الزحام، في اليوم التالي كتب صحفيٌ صهيونيٌ مشهور على صفحته الرسمية في وسائل التواصل، كتب هذه هي الأجيال التي ستُحاربنا وستُحارب الغرب بحسب عُمر المختار، ثم أرفقها بضحكةٍ طويلة، وأرفق المنشور بصورةٍ للجماهير الغفيرة المُتجمِّعة لحضور هذا الحفل.
في الوقت نفسه عُقِدَ حفلٌ آخر لفنانٍ عربي في مدينةٍ أوروبية، حضره الألوف ودفعوا آلاف اليوروهات، وتسابقت النساء ومنهُنَّ المسلمات، للالتقاط الصور التذكارية مع المُطرب ونَيل شرف مُصافحته، وكانت سعيدة الحظِّ من تتمكن من التقاط صورةٍ معه، أو أخذ قُبلةٍ من وجنته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حُب الشُهرة أو الظهور شهوةٌ أودِعت في الإنسان كما أودِعت فيه باقي الشهوات:
أيُّها الكرام: حُب الشُهرة أو الظهور، أو ما يُسمّيه علماء النفس تأكيد الذات، شهوةٌ أودِعت في الإنسان كما أودِعت فيه شهوة الطعام، وشهوة الشراب، وشهوة النساء، فقد أودِعت بداخله شهوةٌ لحُب الظهور، أو لتأكيد الذات، أو ليعرفه الناس، أو ليُشيروا إليه بالبَنان، فإن كانت هذه الشهوة وفق منهج الله، رفع الله ذِكر صاحبها وأعزَّه في الدنيا والآخرة، وإن كانت على منهج إبليس، أذلَّ الله صاحبها ولو بعد حين، مهما بلغت شُهرته، ومهما التفَّ الناس حوله.
منذ بدء الخليقة أثَّرت الملائكة في الناس إيجاباً، حين انصاعت لأمر ربها، وسجدت لآدم عليه السلام طاعةً لله تعالى، وأثَّر إبليس لكن سلباً حين رفض السجود، وكلاهما اشتُهر أمره، كلنا يعرف الملائكة التي سجدت، ويعرف إبليس الذي رفض السجود، فكلاهما كان مؤثِّراً وكلاهما أصبح مشهوراً، وصار المؤثِّرون بعدها تبعاً للملائكة والأنبياء والصالحين، أو تبعاً لإبليس لعنه الله.
هؤلاء الذين يجمعون الناس جمهوراً حقيقياً في المسارح، في القاعات الكبيرة، أو يجمعونهم جمهوراً افتراضياً على وسائل التواصل، يقول لك حقَّق هذا الفيديو عشر ملايين مشاهدة، الذين يجمعون الجمهور الحقيقي أو الافتراضي عبر وسائل التواصل المختلفة، يُسمَّون اليوم المؤثِّرون أو صُنَّاع المحتوى.

ليست العِبرة أن تؤثِّر ولكن العِبرة في الأثر الذي تُحدثه:
ليست العِبرة أن تكون مؤثِّراً، إبليس كان مؤثِّراً، فرعون كان مؤثِّراً، طاغية الشام الذي أذلَّه الله كان مؤثِّراً، ليست العِبرة أن تكون مؤثِّراً لكن العِبرة في الأثر الذي تُحدثه، لا تقُل لي أنا مؤثِّر في الناس، قل لي ما الأثر الذي أحدثته؟ لا تقُل لي مَن جمهورك، أحدِث أثراً في شخصٍ واحد، كُن أباً ناجحاً وربّي ولداً صالحاً على طاعة الله، فأنت أعظم المؤثّرين، كوني امرأةً صالحة وربّي فتاةً على العِفة والحجاب، فأنتِ المؤثِّرة الحقيقية إيجاباً، ليست العِبرة أن تؤثِّر ولكن العِبرة في الأثر الذي تُحدثه، قال تعالى:

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ(12)
(سورة يس)

فالله تعالى يكتب ما قدَّمه الإنسان ويكتب الآثار التي أثَّرها في الآخرين، وما تركه بعده، المؤثِّرون سلباً يملؤون وسائل الإعلام، ويحصدون أعلى المُشاهدات، ويتكاثرون بالإعجابات، من حصَّل أعلى إعجابات، قال تعالى:

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ(1)
(سورة التكاثر)

وجاءت مُطلقةً لكل عصرٍ ولكل زمان، والتكاثر اليوم كثيرٌ جداً في مجال من يُحقِّق الإعجابات الأعلى والإعجابات الأكبر.
أُغنيةٌ ماجنةٌ واحدةٌ، أو صورةٌ ساقطةٌ تحقِّق من المُشاهدات في ساعةٍ واحدة، ما لا يُحقّقه منشورٌ أصيلٌ في نشر الوعي ونبذ الانحراف، مقطعٌ مُصوَّر حول توقعات الأبراج، يحصد من الإعجابات ما لا يحصده منشورٌ مؤصلٌ في تقرير التوحيد ونبذ البِدع والخُرافات، هذا الواقع لكن لا تيأس، اسمع لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "الجماعة ما وافق الحقّ ولو كنت وحدك" إذا كنت على الحقّ فأنتَ الجماعة، وهُم وجمهورهم بالملايين على الباطل، الجماعة ما وافق الحقّ ولو كنت وحدك، واسمع لقول الفُضَيل ابن عياض رحمه الله: "عليك بطريق الهُدى وإن قلَّ السالكون، واجتنب طريق الردى وإن كثُر الهالكون".
الغُرباء في آخر الزمان لهم مرتبةٌ عاليةٌ عند الله، ما مهمتهم؟ قال صلى الله عليه وسلم:

{ بدأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأ فطُوبِى للغرباءِ، وفي روايةٍ قيل يا رسولَ اللهِ : مَن الغرباءُ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناسُ، وفي لفظٍ آخرَ قال : هم الذين يُصلِحون ما أفسد الناسُ من سُنَّتي }

(مجموع فتاوى ابن باز)


إبليس هو المؤثِّر الأول سلباً وهو المؤثِّر الأول في المعصية:
أيُّها الإخوة الأحباب: إبليس كما أسلفت كان مؤثِّراً، وجمهوره كبير، فهل يحب أحد هؤلاء على وسائل التواصل أن يكون إبليس؟! إبليس ما الذي فعله؟ قام بحركةٍ غريبةٍ كما يفعل الآن المؤثِّرون في وسائل التواصل، يتسابقون في الأشياء الغريبة والمُستهجنة، وإن كانت تُخالف الدين والقيَم، من أجل أن يحصدوا الإعجابات، إبليس باختصارٍ: الكل قال سأسجُد، هو قال أنا لن أسجُد، فحقَّق أعلى مُشاهدات، وأعلى إعجابات، وأكثر لايكات، وأكبر مشاركات، كل الأبالسة اليوم يشاركون إبليس ويتبعونه، فهو المؤثِّر الأول في السلب سلباً، هو المؤثِّر الأول في المعصية، هذا حال إبليس.

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)
(سورة ص)

وسَّع جمهوره (أَجْمَعِينَ) يريد أن يغوي الجميع هذا جمهوره.

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)
(سورة الأعراف)

وضع خطة العمل، أن يجلس على الصراط المستقيم، بحيث يُزيِّن للناس أعمالهم السيئة، فرعون كان مؤثِّراً من الطراز الأول، لكنه يقدُم قومه يوم القيامة، هو المؤثِّر يوتيوبر الأول.

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ(98)
(سورة هود)

سيأتي أول قومه ومعه كثيرٌ من الجماهير، وسيسقطون جميعاً في نار جهنم، وكم من المؤثّرين الذين يقول متبوعوهم يوم القيامة:

وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا(67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا(68)
(سورة الأحزاب)

وهكذا سيحصل مع هؤلاء المؤثّرين، الذين يُضِلّون الناس عن طريق الله.

نظام التفاهة:
فيلسوفٌ كندي مُعاصر، ألَّف كتاباً سمّاه نظام التفاهة، والكتاب مُعرَّب، يتحدَّث فيه عن واقع هذا العصر الذي يقتُل التميُّز، والإبداع، والتألُّق، والعلوّ، من يُتابع هؤلاء إلا القليل؟ ويحل محلها التافهين الذين يقومون على إيهام الناس بمنجزات، لأنه أنجز شيئاً سيُتابعه الجميع، منجزاتٌ غير واقعية، بل غير موجودةٌ أصلاً، أين الإنجاز؟! يتكلم كلاماً هو لا يعلم ما يقوله، والناس يُصفِّقون له، إنجازاتٌ غير واقعية بل غير موجودةٌ أصلاً، ويُعلِّقونوهم بهذه التفاهات، هذا نظام التفاهة.
أليس تصوير الحياة العائلية بتفاصيلها المُمِلَّة وهو يذهب مع زوجته إلى شاطئ البحر، وهو يساعدها في الطبخ في المطبخ، وبعد قليل وهو معها في غرفة النوم، أليس هذا قمة التفاهة؟! هذا هو الواقع، أليس هُتاف الناس وبكاؤهم لمُغنٍ أشار لهم بيده من بعيد، أليس ذلك قمة التفاهة؟! صغارٌ على المسارح يبكون لرؤية تافهٍ لا قيمة له في المجتمع، فاشل، يعرف أن يُطلِق لصوته العنان بكلامٍ لا يدري الموجودون ماذا يقول، أطفالٌ صغار يبكون، أين آباؤهم؟ لو لم يروا إعجاب آبائهم وأمهاتهم بهذا التافه الساقط لماذا يفعلون ذلك؟ تُغتال طفولتهم، تُغتال براءتهم عندما نُعلِّقهم بهؤلاء الساقطين، أليس صُراخ الناس وتخاصُمهم وولاءُهم وبراءُهم لكرةٍ دخلت في المرمى، أليس هذا تفاهةً؟!

مَن هُم المؤثرين الحقيقيين:
المؤثِّر الحقيقي هو إبراهيم عليه السلام: الذي كان أُمةً وحده لا فرداً، وتبعته أُمةٌ بأكملها على التوحيد:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(120)
(سورة النحل)

كُن مؤثراً، كُن أمةً في الخير، تُعلِّم الناس الخير، فأنت المؤثِّر الحقيقي ولو بقيت وحدك في الميدان.
المؤثِّر هو يوسف عليه السلام يوم قال:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23)
(سورة يوسف)

معاذ الله لا أقرَب الفاحشة، هذا المؤثِّر في الشباب، لو كانت هذه العبارة: (مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) تُكتَب اليوم تغريدةً على مِنصة إكس، قالها يوسف عليه السلام، لكنها خُلِّدت بأعظم من مِنصات الدنيا، خُلِّدت في الكتاب المؤثِّر الأول الذي اتخذه الناس مهجوراً للأسف.
المؤثِّر هو عُمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ".
المؤثِّر هو عُمر بن عبد العزيز وهو على فراش الموت، يتلو قوله تعالى:

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)
(سورة القصص)

المؤثِّر هو صلاح الدين الأيوبي مُحرِّر القدس.
المؤثِّر هو طارق بن زياد فاتح الأندلس.
المؤثِّر هو محمد الفاتح فاتح القسطنطينية.
المؤثِّر هو موسى عليه السلام، يوم كان الأعداء من وراءه والبحر من أمامه وهو يقول:

قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)
(سورة الشعراء)

المؤثِّر هو عيسى عليه السلام عندما قال لقومه:

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(52)
(سور آل عمران)

وإمامهم جميعاً، إمام المؤثّرين وسيد النبيين محمدٌ صلى الله عليه وسلم: الذي وضِعَ من قِبل كاتبٍ غير مسلم "مايكل هارت"، على رأس المئة الأوائل في تاريخ البشرية، لامتداد تأثيره، واتِّساع رقعة تأثيره، وعمق تأثيره، محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي قال يوماً:

{ أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا }

(صحيح البخاري)

والذي قال لصاحبه في الغار:

إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
(سورة التوبة)

والذي قال يوماً:

{ عن عائشةَ قالت أُغْمِيَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ورأسُهُ في حِجْرِي فجعلتُ أمسحُهُ وأدعو لهُ بالشفاءِ فلمَّا أفاقَ قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا بل أسألُ اللهَ الرفيقَ الأعلَى مع جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ }

(الألباني السلسلة الصحيحة)

والذي قال يوماً:

{ قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا }

(أخرجه البخاري ومسلم)

هؤلاء هُم المؤثّرون الذين أحدثوا فرقاً في الناس، امتدَّ تأثيره وعمقه في القيَم، وفي الأخلاق، وفي المبادئ، وفي النُبل، وفي العلاقة الصادقة مع الله، وفي الإحسان لخلق الله، فلماذا أصبحت أُمتنا اليوم تُسمّي من لا يستحق التسمية مؤثِّراً؟! نعم هو مؤثِّر ولكنه مؤثِّرٌ في الشر، ينشر الشر، وينشر الأذى بين الناس، والناس يتسابقون لنُصرته ويتناسون مؤثّري أُمتنا الذين يجب أن نقتدي بهم.
أيُّها الإخوة الكرام: هذه رسائلُ سريعة:

الرسالة الأولى إلى المؤثّرين سلباً:
الرسالة الأولى أوجّهها إلى المؤثّرين سلباً، ولا أظن أنَّ أحداً منهم في مسجدنا، ولكن علَّهم يسمعونها عبر وسائل التواصل، ولا تدرِ أين تصل الكلمة.
الكلمة الأولى أوجّهها للمؤثّرين سلباً، إيّاكم والتكاثر بالإعجابات والتعليقات والمشاركات فإنها لن تنفعكم يوم العرض، ولن تقف معكم عند الحساب.

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94)
(سورة الأنعام)

لن يأتي معك جمهورك العريض، ولا جمهورك الافتراضي على وسائل التواصل، ولا الذين شاركوا منشوراتك ولا مقاطعك المُصوَّرة، لن يأتي معك أحد.

الرسالة الثانية إلى المؤثّرين إيجاباً:
رسالتي الثانية إلى المؤثّرين إيجاباً، لا تلتفتوا إلى شُهرة التافهين والساقطين، يكفيكم أنكم تنشرون الخير والحقّ، لا تضعوا مقارنةً بين عملكم العظيم المُشرِّف، في تعليم الناس دينهم وقيَمهم، وتعليمهم مبادئ الحياة الحقيقية، والعلوم الكونية والشرعية، لا تضعوا مُقارنةً أصلاً بين ما تُحقِّقونه وما يُحقِّقه أصحاب الشهوات، لا يليق بكَ أن تُقارن نفسك بمغنيةٍ ساقطةٍ تجمع الناس على جسدها، أنتَ تجمع الناس على قيَمك وأفكارك، فلا تُقارن نفسك بحجمهم ولا بمُشاركاتهم فأنتَ بذلك تُسقِط نفسك.

الرسالة الثالثة إلى أتباع المؤثّرين سلباً:
رسالتي الثالثة إلى أتباع المؤثّرين سلباً، لا ترضَ أن تكون تابعاً لأحد، فقد خلقك الله حُرَّاً، وهؤلاء المؤثّرون سيتبرؤون منك عند الحساب.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ(166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ(167)
(سورة البقرة)

قدوتهم في ذلك المؤثِّر التافه إبليس.

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)
(سورة إبراهيم)

أنا ما قلت لكم تعالوا احضروا الحفل، أنتم اشتريتم التذكرة بأموالكم، وجئتم على أقدامكم، وتسابقتم للصف الأول (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ).

الرسالة الرابعة إلى عموم الناس:
الرسالة الرابعة إلى عموم الناس، لا تكن شريكاً في رفعة التافهين، فلا تُشارك ما ينشرون، ولا تُرسل إلى الناس ما يُصوُّرون، لا سيما إن كان فيه مُحرَّمٌ أو نظرٌ حرام، وإن التقيت بأحدهم مُصادفةً فلا تُعرهم اهتماماً، ولا تتسابق للسلام عليهم، تسابق للسلام على أهل العِلم والفضل، لا تتسابق للسلام على هؤلاء التافهين أو أخذ صورةٍ معهم.
أيُّها التاجر: إذا كانوا ينشرون المُحرَّمات، فلا تُعلِن عن منتجك عندهم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)
(سورة المائدة)

حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، واستغفروا الله.
الحمد لله ربِّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات.
اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شرَّ ما أهمنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنّا.
اللهم إنَّا نسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنّا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين.
وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنّا، أنت حسبُنا عليك اتكالنا.
اللهم أهلنا في غزَّة، كُن لهم عوناً ومُعيناً، وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً.
اللهم يا أكرم الأكرمين أطعمهم من جوعٍ، وآمنهم من خوف.
اللهم أطعِم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مُصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً مُتقبَّلاً، واغفر لنا تقصيرنا فأنتَ أعلم بحالنا.
اللهم هيئ لهذه الأُمة أمر رُشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل عصيانك ويؤمَر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم عليك بالصهاينة المُعتدين ومَن والاهم ومَن أيَّدَهم ومن وقف معهم في سرٍّ وعلن.
اللهم مُجري السحاب، مُنزِل الكتاب، هازِم الأحزاب، سريع الحساب، اهزِم الصهاينة ومَن والاهم، وأنجِ المُستضعفين من المؤمنين، واجعل بلادنا أمناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، ووفِّق القائمين عليها للعمل بكتابك وبسُنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، و الحمد لله ربّ العالمين