مفاتح الغيب

  • الحلقة 26
  • 2023-04-17

مفاتح الغيب

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:

مفاتيح الغيب:
الغيب خزانة كبيرة جداً، فيها من الأسرار ما لا يُحصى، وفيها من الأسرار ما لا يعلمه أحد إلا الله، ولهذه الخزانة الضخمة مفاتيح، لا يملكها أحد إلا الله، هذه المفاتيح ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله:

{ مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ. }

(صحيح البخاري)


أولاً_ لا يعلم ما تغيض الأرحام:
لا يعلم أحد ما تغيض الأرحام إلا الله
لا يعلم أحد ماذا في الرحم إلا الله، فلو قال قائل اليوم: لكن الصور الحديثة اليوم تكشف عن جنس المولود عند الشهر الرابع أو قبله بقليل أو بعده بقليل، لقلنا له: هذا لم يعد غيباً، أصبح شهادة، لكن بوسائل معينة لم يكن بالإمكان معرفته، واليوم بالوسائل الحديثة أصبح بالإمكان معرفته، ثم ما تغيض الأرحام ليس مجرد ذكورة وأنوثة، وإنما ما تغيض الارحام صفات خَلقية، صفات خُلقية، صفات نفسية، وجسدية، ومآله، وإلى متى يعيش، وماذا سيفعل، وما هو رزقه، فما تغيض الأرحام أوسع بكثير من مسألة ذكورة وأنوثة، فلا يعلم أحد ما تغيض الأرحام إلا الله.

ثانياً_ لا يعلم ما في غد إلا الله:
(ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ) ولا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، لا يستطيع إنسان أن يجزم بشيء سيكون غداً، نتفاجأ بالأحداث، نتفاجأ بما سيكون كلنا مهما أُوتي الإنسان من وسائل حديثة فإنه لا يستطيع أن يجزم بما سيكون في غد، لذلك المؤمن وحده لا يقول لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يُتبِعها بقوله: إن شاء الله، لأنه لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله.

ثالثاً_ لا يعلم متى تأتي المطر:
كثيراً ما يقع الخلل في التنبؤات الجوية
(ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ)، فإن قال قائل لكن التنبؤات الجوية اليوم تقول لنا إن منخفضاً قادماً، وإن الأمطار ستهطل غداً، قلنا له هذا على سبيل الظن لا على سبيل الجزم، ثانياً هذا ليس غيباً مطلقاً، وإنما غيب نسبي، فأنت غاب عنك ذلك، ولكن الأرصاد الجوية أصبح هذا المنخفض شهادة بالنسبة لهم، فرأوه بأعينهم من خلال الأجهزة الحديثة، فعلموا بقدومه، وقد يأتي وقد لا يأتي، وكثيراً ما يقع الخلل في التنبؤات الجوية، (ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ) جل جلاله.

رابعاً_ لا يعلم متى تقوم الساعة:
(ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)
(سورة الأعراف)

والساعة ساعتان؛ ساعة صغرى وساعة كبرى، لكلٍّ منا ساعة صغرى وهي ساعة الأجل عندما يأتي الموت فلا مردّ له من الله، وهناك ساعة كبرى لها أماراتها وأراد الله تعالى أن يخفيها ليحقق الامتحان.

خامساً_ لا تدري بأي أرض تموت:
الله تعالى قهر عباده بالموت
وأما المفتاح الخامس (ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ) الإنسان يحيا على هذا الكوكب، لكن أين يدركه الأجل لا أحد يدري، في بلده أم خارج بلده، في بيته أم خارج بيته، أم في الطريق إلى بيته، أم في عمله، فلا يستطيع إنسان أن يحدد الأرض التي يموت عليها، والله تعالى قهر عباده بالموت، ومِن قهْره لعباده بالموت أنه أخفى عنهم ساعته، وأنه أخفى عنهم مكانه، أخفى الزمان، وأخفى المكان، فلا يستطيع أحد أن يتنبأ بساعة مغادرته للدنيا، وهذا ما يحقق الاختبار، لن يُختبَر الإنسان إلا إن كان موعد النهاية غير معروف، قال تعالى:

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
(سورة الملك)

فقدم الموت على الحياة تقديم أهمية، مع أن الحياة تسبق الموت في الترتيب، لكن الموت يسبق الحياة في الأهمية؛ لأن ساعة المغادرة هي المهمة، وهي التي ينبغي أن يتطلع بصرك إليها دائماً؛ لأنك لن تستقيم على أمر الله تعالى إلا إذا تطلّعت إلى الساعة التي ستغادر فيها الدنيا، هذه مفاتيح الغيب، والغيب كثير، ولا يعلم الغيب إلا الله، ولكن له مفاتيح ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.