• الحلقة 24
  • 2023-04-15

فهو لاقيه

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:
كان موظفاً بسيطاً، دخله قليل جداً، بالكاد يكفيه حتى منتصف الشهر، وفجأة بلّغه أحد الثقات بأنه يتهيأ، أو يُهيّأ لمنصب كبير، دخله كبير، يكفيه شهره وزيادة، انتقل هذا الموظف من مكتبه الصغير إلى مكتب فخم، وإلى راتبٍ عالٍ، وحُلّت مشكلاته، لكن لا بد من شهر كامل حتى ينتقل إلى منصبه الجديد، هي إجراءات حكومية لا بد منها، هذا الرجل سيعيش شهراً في انتظار المنصب الجديد، ستتغير أحواله، لا أقول أحواله المعيشية، فراتبه ما زال كما هو، ومكانه ومكانته ما زالا في موضعهما، لم يتغير شيء، لكن أعني أحواله النفسية، أصبح يعيش بانشراح صدر، أصبح يعيش بحياة أخرى، هو في مكتبه الصغير، لكن عينه تتطلع إلى مكتبه الجديد، هو في دخله القليل لكن عينه تتطلع إلى ما سيفعله بعد أن يحقق الدخل الوفير، ما الذي حصل؟ لقد انتقل من حاله الآنية إلى حالٍ مستقبلية من خلال الوعد الذي وُعد به، هذا حال المؤمن في الدنيا، هو ليس ناجٍ من الابتلاءات، بل قد يكون أشد ابتلاء من غيره من الناس.

{ أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ }

(صحيح النسائي)

المؤمن ينتظر وعد الله
فهو لم ينجُ من ابتلاءات الدنيا، يمرض كما يمرض الآخرون، ويتعب كما يتعب الآخرون، ويشعر بمرارة العيش كما يشعر الآخرون، فلماذا يحيا المؤمن وفي قلبه من السعادة ما لو وُزّع على أهل بلد لكفاهم؟ إنه الرضا، وإنه انتظار موعود الله تعالى، لأنه ينتظر وعد الله، فمهما تكالبت عليه الهموم، ومهما كثرت عليه المصائب، ومهما أحاطت به الخطوب، فهو لا ينظر إليها وإنما ينظر إلى ما بعدها، فهو ينتظر موعود الله تعالى، قال تعالى:

أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
(سورة القصص)

هل يستويان؟ هل يستوي مؤمن يعيش وهو ينتظر موعود الله تعالى، وهو موقن بأنه لاقيه في المستقبل لا محالة، هل يستوي مع رجل آخر يعيش الدنيا كما يحب، يلهو بها كما يرغب، يأخذ منها مما حلّ ومما حرُمَ دون أن يبالي، ثم هو بعد كل هذا المتاع سيُحضَر إلى الحساب، وسيقف بين يدي الله تعالى ليحاسبه عن كل صغيرة وكبيرة

وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)
(سورة الصافات)

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
(سورة الحجر)

فما ينفعه متاع الدنيا؟ المتاع زائل، لكن المؤمن يعيش في الدنيا، ولكنه ينتظر موعود الله تعالى في الآخرة ﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ قال تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
(سورة فاطر)

وهذا هو الغيب ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ وهذه هي الشهادة ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ غيب، ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ فمن ينظر إلى وعد الله تعالى، والذي هو حق؛ أي شيء قادم، ثابتٌ لا محالة، فإن الدنيا لا تغرّه، فإنه يعيش فيها ولكنه لا يحيا لها، فإنه يملكها ولا تملكه، تنقاد له ولا ينقاد لها، يجعلها في يده، ولا يجعلها في قلبه، لأنه موقن بوعد الله تعالى.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته