• الحلقة 18
  • 2023-04-09

البرزخ

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:

تعريف البرزخ لغة واصطلاحاً:
أُولى مراتب الآخرة البرزخ، والبرزخ في اللغة: هو الحاجز بين الشيئين، وغالباً ما يكون هذا الحاجز غير مرئي، قال تعالى:

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ (20)
(سورة الرحمن)

البرزخ حياة من نوع خاص
وأما البرزخ اصطلاحاً فهو حياة من نوع خاص بين موت الإنسان وبعثه، يعيش حياة من نوع خاص تُسمّى البرزخ، وكي أقرب لكم هذه الحقيقة؛ ألسنا نحيا في منامنا حياة من نوع خاص حينما يتوفى الله أنفسنا في النوم؟

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
(سورة الزمر)

فنحيا عند منامنا حياة من نوع خاص، لا ندرك كُنْهَها تماماً، لكننا نذهب فيها عبر الزمان والمكان إلى أماكن بعيدة، ونعيش حالات مختلفة، فإذا صحونا من نومنا استغربنا ما الذي جرى معنا ليلاً، فالبرزخ حياة من نوع خاص، بين موت الإنسان وبعثه ليقف عند ربه.

في البرزخ نعيم وعذاب:
وفي البرزخ نعيم وعذاب، في حياة البرزخ نعيم وعذاب، وهو ما نسميه نعيم القبر، وعذاب القبر، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ إذا ماتَ أحَدُكُمْ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ، غُدْوَةً وعَشِيًّا، إمَّا النَّارُ وإمَّا الجَنَّةُ، فيُقالُ: هذا مَقْعَدُكَ حتَّى تُبْعَثَ إلَيْهِ. }

(صحيح البخاري)

فأعظم النعيم انتظار النعيم، وأعظم العذاب أن ينتظر الكافر –والعياذ بالله- عذاب ربه، فهذا من عذاب القبر، وذاك من نعيم القبر.

الرد على من ينكر عذاب القبر:
أما من ينكر عذاب القبر ونعيم القبر، وينكر أن يكون في حياة البرزخ شيء من ذلك، فهو:
العقل يحتاج إلى شيء ملموس للاستدلال
وإما أنه لا يؤمن به عقلاً، فنقول له: العقل يحتاج إلى شيء ملموس، من أجل أن يستدل على شيء لا يراه، وليس بين يدينا شيء ملموس نستدلّ به على عذاب القبر، أو نعيم القبر، إذاً لم يبق أمامنا إلا الخبر الصادق، الغيب، ونحن نؤمن بحياة البرزخ من خلال الغيب الذي أخبرنا الله تعالى به، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم به، قال تعالى يتحدث عن آل فرعون:

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ(46)
(سورة الزمر)

ويقول الله تعالى:

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)
(سورة الأنفال)

عند الوفاة، وفي أحاديث كثيرة يتحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن نعيم القبر، وعن عذاب القبر، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يختم صلاته إلا أن يستعيذ قبل سلامه من أربع فيقول:

{ اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ. }

(صحيح مسلم)

إذاً، لنا حياة تنتظرنا يخبرنا بها الله تعالى، وهي غيب لا نراه بأعيننا، ولا نرى آثاره لنستدل على وجوده بعقولنا، ولكننا نؤمن بهذه الحياة التي تنتظرنا في البرزخ من خلال الغيب، من خلال كلام الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك نحن نعدّ العدة لهذا الموقف، ولتلك الحياة، كما نعد العدة للقاء الله تعالى، لذلك فنحن نعد العدة لهذه الحياة التي تنتظرنا، كما نعد العدة للقاء الله تعالى.
إلى الملتقى، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.