لكيلا تأسوا

  • الحلقة 17
  • 2023-04-08

لكيلا تأسوا

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:
من أعظم آثار الإيمان بالغيب أن يدرك الإنسان أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وهذا ما يحقق أعلى درجة من التوازن النفسي، الذي يجعله يحيا بغير قلقٍ، ولا خوفٍ، ولا سخطٍ، بل يجعله لا يأسى على شيء فاته أسىً يسحقه، ولا يفرح بشيء أتاه فرحاً يُبطِره ويُخرجه عن حالة التورازن، قال تعالى:

مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
(سورة الحديد)


أمر المؤمن كله خير:
الإيمان بالقدر يُذهِب الهم والحَزَن
وهل يُعقَل ألا يفرح الإنسان بشيء آتاه الله تعالى إياه! أو يأسى على شيء فاته من الدنيا! نعم، يمكن ذلك، إذا آمن بالقدر؛ لأن الإيمان بالقدر يُذهِب الهم والحَزَن، فالذي يؤمن بقدر الله تعالى لا يأسى على شيء فاته؛ لأنه في الأصل لا يعلم إذا كان هذا الذي فاته فيه خير له أو شر، وكذلك لا يفرح بشيء آتاه الله تعالى إياه؛ لأنه لا يعلم ابتداءً إذا كان هذا الذي آتاه الله إياه خيراً له في دينه ودنياه وأخراه، أو كان شراً له، فلذلك لا يُفرِحه ما جاءه من الدنيا فرحاً يُبطِره، ولا يأسى، ولا يحزن على شيء فاته من الدنيا حزناً يسحقه، فيعيش في حالة من التوازن لا يعيشها إلا المؤمن؛ إذ:

{ عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له. }

(صحيح مسلم)

وفي الحديث:

{ ولو أنفقتَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا في سبيلِ الله، ما قَبِلَه اللهُ منك حتى تُؤْمِنَ بالقَدَرَ، وتَعْلَمَ أن ما أصابَك لم يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وأن ما أخطأَكَ لم يَكُنْ لِيُصِيبَك، ولو مِتَّ على غيرِ هذا لدخلتَ النارَ . }

(صحيح ابي داوود)

وفي الآية الأخرى يقول تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
(سورة البقرة)

الإنسان يشعر براحة نفسية لأنه مع الله
الله تعالى يعلم كل شيء، وأنتم لا تعلمون شيئاً، فما هو علم الإنسان أمام علم الله تعالى؟ فإذا كان العليم جل جلاله قد قضى لك شيئاً من الدنيا، أو أبعد عنك شيئاً من الدنيا، فإن قضاءه لك خير، هذا الإيمان بالقضاء والقدر وهو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، يشعر الإنسان براحة نفسية لا يعيشها غيره؛ لأنه مع الله، ولله، وبالله، ومن الأدعية الجامعة المانعة: "أنا بك وإليك" فأنا أستعين بك في كل ما أعيشه، وأرجع إليك في كل أمر أريده، فإذا عاش الإنسان مع الله تعالى، وآمن بقضاء الله تعالى وقدره، فإنه يحيا حياة متوازنة، يحيا حياة طيبة.

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
( سورة النحل)

وفي المقابل:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
(سورة طه)

فالمؤمن يحيا، وغيره يعيش لكنه لا يحيا.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.