لا نريد منكم

  • الحلقة 15
  • 2023-04-06

لا نريد منكم

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:
سورة الإنسان نقرؤها فجر كل يوم جمعة، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل، وهذه السورة العظيمة بدأت بالإيمان بالغيب، وخُتمت بالإيمان بالغيب، بدأت بقوله تعالى:

هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1)
(سورة الإنسان)

وهذا من عالم الغيب، وانتهت بقوله تعالى:

يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
(سورة الإنسان)

وهذا من عالم الغيب، وبين غيبٍ وغيب تتدرّج السورة في رحلة الإنسان في الحياة بدءاً بخلقه:

إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
(سورة الإنسان)

مروراً بتكليفه:

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
(سورة الإنسان)

ثم ببيان النتائج المترتبة على النجاح أو الرسوب في هذا التكليف، وذاك التخيير:

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
(سورة الإنسان)

وختاماً ببيان الطريق الموصلة إلى النجاح:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا (23)
(سورة الإنسان)


صفات الأبرار:
إنه القرآن الكريم، وفي أثناء الحديث عن الأبرار وصفاتهم، يذكر الله تعالى صفة من صفاتهم، ووصفاً من أوصافهم فيقول:

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
(سورة الإنسان)

المؤمن بالغيب يعمل عملاً جزاؤه في الآخرة
انظروا في كلمة ﴿لَا نُرِيدُ مِنكُم﴾ ما قالوا: لا نريد جزاء ولا شكوراً، وإنما قالوا: ﴿لَا نُرِيدُ مِنكُم﴾، لا يوجد إنسان أيها الكرام في الأرض يعمل عملاً إلا يريد من ورائه شيئاً، نعم، ما منا من يعمل عملاً لا يريد من ورائه شيئاً، لكن غير المؤمن بالغيب يعمل عملاً يريد منه جزاء وشكوراً في الدنيا، والمؤمن بالغيب يعمل عملاً يريد منه جزاء وشكوراً في الآخرة:

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
(سورة الإنسان)

هذا هو الغيب، فما الذي حصل؟

فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
(سورة الإنسان)

كل هذا الثواب العظيم جاء لأنهم قالوا: ﴿لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ فماذا في الختام؟ قال تعالى:

إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا (22)
(سورة الإنسان)


الجزاء والشكر من الله وحده جل جلاله:
أعظم عطاء من المولى جل جلاله
أنتم ما طلبتم جزاء بعمل مقابل عمل، بمال مقابل مال، بسمعة مقابل الإنفاق، ولا طلبتم شكوراً، حتى كلمة شُكرٍ ما طلبتموها ممن دفعتم لهم المال، أو ممن أطعمتموهم في سبيل الله، ما قلتم له: نريد أن تخرج وتشكر لنا على الكاميرات والمصورات أبداً ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً أي مقابلاً وَلَا شُكُورًا﴾ ولا حتى كلمة شكر، فماذا كان جزاؤهم من الله ؟ كان جزاء عظيماً ختمه المولى بقوله: ﴿إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾ نظير أعمالكم ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾ فما فاتكم الجزاء العظيم، ولا فاتكم الشكر، ولكن الجزاء كان من الله، والشكر كان من الشكور جل جلاله الذي إن شكر لإنسان على عمله كان أعظم شكرٍ، وأعظم عطاء من المولى جل جلاله.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.