اذبحوا بقرة

  • الحلقة 14
  • 2023-04-05

اذبحوا بقرة

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:

سبب تسمية سورة البقرة:
مرض بني إسرائيل هو عدم الإيمان بالغيب
سميت سورة البقرة سورة البقرة؛ لأن فيها قصة من قَصص موسى -عليه السلام- مع قومه لم تُذكَر إلا فيها، وقد يستغرب أحدكم فيسأل لماذا سميت السورة كلها باسم "البقرة"؛ لأن بقرة بني إسرائيل تبيّن مرضاً من أمراض بني إسرائيل يُخشى أن يقع المسلمون به، وهذا المرض قد أسلفت الحديث عنه، وأكرر الآن، هو: عدم الإيمان بالغيب، أو عدم الاستسلام لأمر الله، أو كثرة الأسئلة حتى يعلم كل شيء قبل أن ينفّذ أي شيء، وهذا ليس من شأن المؤمن.

قصة البقرة:
ما قصة البقرة؟ قُتل رجل من بني إسرائيل، واختلفوا فيه، وادّارؤوا فيه، فكلٌّ يُلقي التهمة على الآخر، من القاتل ياموسى؟ كانوا يتوقعون أن يقول لهم موسى -عليه السلام-: القاتل فلان، أو يعطيهم دليلاً يوصلهم إلى القاتل، لكن موسى -عليه السلام- قال لهم: اذبحوا بقرة، ما علاقة البقرة بالقاتل؟ هكذا، اذبحوا بقرة، إذا كنتم مؤمنين بالله، مؤمنين بالغيب فافعلوا ما يأمركم الله به:

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
(سورة البقرة)

لم يقل لهم: إني آمركم، ولو قال لصحّ قوله، فهو ينطق عمّا يريده الله تعالى، لكنه عظّم الأمر في داخلهم فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا هكذا واجهوا أمر الله تعالى، بدلاً من أن يستجيبوا له فوراً، ويأخذوا أي بقرة تُجزِئُهم، ويذبحوها استجابة لأمر الله تعالى لهم، بدؤوا يجادلون ويكررون أسئلة تلوَ الأسئلة: ما هي؟ وما لونها؟ إلى أن قال الله تعالى:

قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
(سورة البقرة)

قصة بقرة بني إسرائيل تبين حالاً، ونموذجاً لقومٍ يؤمنون بالشهادة ويدَعون الغيب، يستسلمون لهوى أنفسهم، لكنهم لا يستسلمون لأمر ربهم، فعلّمهم الله تعالى من ذلك درساً قاسياً حتى إنهم لم يجدوا إلا بقرة واحدة تتوفّر فيها الصفات التي سألوا عنها وجاءتهم أجوبتها، فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ بعد ذلك أخبرهم المولى جل جلاله عما غاب عنهم في البداية

فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
(سورة البقرة)

فكانت أعظم شهادة في التاريخ أن ينهض المقتول نفسه فيقول: فلان قتلني، وأي شاهد، وأية شهادة أكبر من تلك الشهادة في جريمة قتل!

دروس من سورة البقرة:
ينبغي عدم تكرار الأسئلة التي تهلكنا
نتعلم من سورة البقرة أن الإيمان بالغيب ينبغي ألا يدفعنا إلى تكرار الأسئلة التي تهلكنا:

{ فإنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ، كَثْرَةُ مَسائِلِهِمْ واخْتِلافُهُمْ علَى أنْبِيائِهِمْ }

(صحيح مسلم)

يدفعنا ذلك إلى ألا نسأل عن حكمة عندما يأتينا الأمر من الله تعالى، فإذا جاءت الحكمة بعد ذلك، فيا أهلاً، ويا سهلاً، وإن غابت الحكمة فنحن موقنون بوجودها وإن لم نفهمها، وكفى بكل أمرٍ أن الله أمر، وكفى بكل نهيٍ أن الله نهى، نسأل الله تعالى أن يرزقنا إيماناً بالغيب يدفعنا إلى استسلام لأمره ونهيه، وقَبولٍ بما يقضي من قضاء وقدر.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.