شهادة وغيب

  • الحلقة : 01
  • 2023-03-23

شهادة وغيب

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

عالم الشهادة ندرك من خلاله ما يحيط بنا
السلام عليكم: تلك شاشة أراها بعيني، وهذا صوت أسمعه بأذني، وتلك ريح أشمها بحاسة الشم، وهذا نوع من القماش ألمسه بيدي، وهذا طعام طيب أتذوّقه بلساني، هذا هو عالم الشهادة، حواس ندرك من خلالها ما يحيط بنا، نشترك في هذا العالم مع كثير من المخلوقات التي خلقها الله، لكن ما يميز الإنسان عن كثير من المخلوقات الأخرى أنه من خلال حواسه يُدخل تلك المدركات؛ يسمع، يرى، يتذوق، يلمس، يُدخِل تلك المدركَات ثم يقوم بعملية معقدة هي العقل، يعقِل في قلبه ما أدخله من المُدخلات فيخرج بالمُخرجَات والنتائج، فإذا كانت عملية الإدخال صحيحة، وعملية العقل صحيحة كانت المُخرجات سليمة.

تعريف العقل:
العقل في اللغة هو المنع؛ لأنه يمنع الإنسان من أن يرِد مواطن الخطر والمهالك، لذلك سماه الله تعالى، أو سمّى أصحابه:

كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ (54)
(سورة طه)

الذين تنهاهم عقولهم عن أن يُوقِعوا أنفسهم فيما يشينهم في الدنيا والآخرة.
والعقل أيضاً هو الربط، فالعقل يستطيع بعد أن يدخل المدخلات أن يربط بينها ثم يخرج بالمخرجات سليمة تنفعه في دنياه ودينه وأخراه.

عالم الغيب:
هذا هو عالم الشهادة، لكن هناك عالم آخر، لا ندركه بحواسنا الخمس، هو موضوع بحثنا، وهو عالم الغيب، وهذا ما يتميز به الإنسان؛ أنه يستقبل معلومات بالأخبار الصادقة عن عالم آخر هو عالم الغيب، وهذا العالم مغيَّب في خطابنا، فلا تكاد تجد إنساناً يتحدث عن هذا العالم، رغم أنه أخطر بكثير من عالم الشهادة، قال تعالى:

يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
(سورة الروم)

﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ هذا عالم الشهادة، ﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ هذا عالم الغيب، لقد خلق الله تعالى للإنسان عينَين، قال تعالى ممتناً على عباده:

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ(8)
(سورة البلد)

بالعينين ندرك البعد الثالث للأشياء
لأنه بالعينين يدرك البعد الثالث للأشياء، أي العمق، وكذلك عندما ينظر الإنسان إلى الأشياء بعين واحدة هي عين الدنيا، أو عين الشهادة، ولا ينظر بالعين الثانية، والتي هي عين الغيب، أو عين الآخرة، فإنه سيخرج بصورة غير صحيحة، بصورة منقوصة، بل بصورة مُشوَّهة، أما عندما ينظر بالعينين معاً؛ عين الغيب مع عين الشهادة، عين الدنيا مع عين الآخرة، فستخرج الصورة كاملة، وسيدرك الأعماق، وسيفهم الحكمة من خلق الله تعالى، وسيفهم الحكمة من وجوده، سيفهم سرّ وجوده، وغاية وجوده، ومنطلق وجوده، عالم الغيب عالم خطير جداً، بل هو الأخطر في حياتنا، ليس من العقل أن نكتفي بعالم الشهادة، أناس كُثر جاؤوا إلى هذه الدنيا وغادروها، وهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وكأنهم لا يعلمون شيئاً، لأن الدنيا تنقضي وتنتهي، أما عالم الغيب فهو الذي يخبرك عمّا سيكون، وهذا العالم المُغيَّب في خطابنا ينبغي أن يعود إلى الواجهة حتى تكون الصورة كاملة عميقة، وحتّى نفهم الأمور على الوجه الذي يريده الله تعالى منا.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.