هل تجب خدمة البيت على الزوجة؟

  • 2025-12-05
  • سورية - دمشق
  • مسجد عبد الغني النابلسي

هل تجب خدمة البيت على الزوجة؟

هذا السؤال كثُر الحديث عنه في الآونة الأخيرة، وأنا للأمانة سمعت كلاماً أقول باختصار لا يُشبه الفقه في شيء، سمعته على بعض الإذاعات، سائلة تتصل وتقول: يا شيخ هل تجب عليَّ الخدمة في بيت زوجي؟ يعني الطبخ، قال لها: لا تجب، سمعتها بأُذُني في إذاعةٍ محليةٍ في دمشق، وأقول هذا الكلام لا يمتُّ للفقه بصِلةٍ، لا يُشبه الفقه بشيء.
أولاً أيُّها الكرام، المسألة في كتُب الفقه، حتى لا يقولن قائلٌ إني لا أعلم ما في الكتُب، قرأت ما في الكتُب على علمي المتواضع، المسألة في الكتُب فيها أقوالٌ لأهل العِلم.
القول الأول لا تجب عليها الخدمة، فعقد الزواج لا يتضمن الخدمة، الخدمة خارج العقد، فهي لا تكنُس بيتها إلا إحساناً، ولا تطبخ لزوجها إلا إحساناً، وإن طلبت خادماً يؤتى لها بالخادمة حتى تخدم البيت، فهي لا تفعل ذلك وجوباً وإنما إحساناً.
القول الثاني تجب عليها خدمة البيت.
والقول الثالث في كتُب الفقه أنه يُفصَّل بين امرأةٍ كانت تُخدَم في بيت أهلها، قبل أن تأتي إلى زوجها، فيؤتى لها بمَن يخدِم البيت، وبين امرأةٍ لا تُخدَم في الأصل في بيت أهلها، فلا يؤتى لها بخادمٍ يخدمها في البيت.
هذه أقوالٌ موجودةٌ في كتُب الفقه، وكلٌّ له كلامه وأدلته، لأنَّ المسألة غير منصوص عليها بشكلٍ صريحٍ وواضح، لكن في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها:

{ أنَّ فَاطِمَةَ عليهما السَّلَامُ أتَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَشْكُو إلَيْهِ ما تَلْقَى في يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وبَلَغَهَا أنَّه جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قالَ: فَجَاءَنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقالَ: علَى مَكَانِكُما فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وبيْنَهَا، حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى بَطْنِي، فَقالَ: ألَا أدُلُّكُما علَى خَيْرٍ ممَّا سَأَلْتُمَا؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما - أوْ أوَيْتُما إلى فِرَاشِكُما - فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ. }

(أخرجه البخاري ومسلم)

قال عليٌ: فما تركتهما بعد ذلك.
اليوم بعض النساء تشتكي من الجلي، كانوا من الرحى بالحجارة فكانت الخدمة صعبة جداً.
انظروا الحديث كيف يحفظ، ليس فقط القول والفعل، يحفظ أيضاً برد قدَمَي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً ما دلالة هذا الحديث؟ دلالة الحديث أنَّ فاطمة طلبت خادماً، والنبي صلى الله عليه وسلم هذه ابنته، وهذا شرع الله، فلو كان إحضار الخادم واجباً، لبيَّن صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخِّر البيان عن وقت الحاجة، فلو كان واجباً لقال لعليٍّ ائتها بخادمٍ، ثم يسمع منه إن قال لا أستطيع فيساعده مثلاً، لكن ما قال لها ذلك، فحكم بينهما كما في رواياتٍ أُخرى، فجعل الخدمة الباطنة للنساء، فقال: أنتِ داخل البيت كنسٌ وطبخ، وجعل الخدمة خارج البيت لعلي قال له: أنت تُحضر الطعام والشراب وتعمل وإلى آخره..
أسماء رضي الله عنها قالت:

{ كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ البَيْتِ، وَكانَ له فَرَسٌ، وَكُنْتُ أَسُوسُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الخِدْمَةِ شيءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِن سِيَاسَةِ الفَرَسِ، كُنْتُ أَحْتَشُّ له وَأَقُومُ عليه وَأَسُوسُهُ، قالَ: ثُمَّ إنَّهَا أَصَابَتْ خَادِمًا، جَاءَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ فأعْطَاهَا خَادِمًا، قالَتْ: كَفَتْنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فألْقَتْ عَنِّي مَؤُونَتَهُ. فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقالَ: يا أُمَّ عبدِ اللهِ إنِّي رَجُلٌ فقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ في ظِلِّ دَارِكِ، قالَتْ: إنِّي إنْ رَخَّصْتُ لكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيْرُ، فَتَعَالَ فَاطْلُبْ إلَيَّ، وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ، فَجَاءَ فَقالَ: يا أُمَّ عبدِ اللهِ إنِّي رَجُلٌ فقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ في ظِلِّ دَارِكِ، فَقالَتْ: ما لكَ بالمَدِينَةِ إلَّا دَارِي؟ فَقالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: ما لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلًا فقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكانَ يَبِيعُ إلى أَنْ كَسَبَ، فَبِعْتُهُ الجَارِيَةَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ وَثَمَنُهَا في حَجْرِي، فَقالَ: هَبِيهَا لِي، قالَتْ: إنِّي قدْ تَصَدَّقْتُ بهَا. }

(أخرجه البخاري)

تسوس الفرس وتُطعمه وتعلفه.
إذا أردنا أن نُنشئ شرخٌ في الأُسرة بين الرجُل والمرأة، أيضاً في كتُب الفقه الرجُل لا يجب عليه علاج زوجته، هل يقول اليوم أحدٌ بذلك؟ تمرض زوجته أمامه ثم يقول أنا ليس عليَّ العلاج! إذا معكِ مال تعالجي وإن لم يكن معك ابقي في الفراش، وهي تصرخ من ألم الزائدة مثلاً، وهو معه ما يُنفِق، ويقول لا يجب عليَّ، إذا أردنا أن نُنشئ علاقة داخل البيوت مبينةً على المصارعة، فنترك للمنظمات النسوية أن تقول للمرأة: لا تجب عليكِ الخدمة، ونترك للذكور أن يقولوا لا يجب عليك علاج زوجتك ولا حجُّها، ويصبح البيت خالياً من المودَّة والرحمة، هذا ليس ديناً، الفقه هو الواقع، الفقه أن نفهم الواقع، لا أن نفتح في بطون الكتُب، ونستخرج أنه قال الإمام الفلاني لا تجب عليها الخدمة، فتقول: أنا قرأت في كتابٍ لا تجب عليَّ الخدمة، أو قالت لي آنستي لا تجب عليها، فمن يخدِم البيت؟!
اليوم بربكم في سورية، إذا أردنا أن نأتي بنسبة وتناسب، كم شخصٍ يستطيع أن يأتي بخادمةٍ للبيت؟ أنا أقول: لا يتجاوز الواحد بالألف، الذي يستطيع أن يدفع راتب للخادمة في آخر الشهر، إذاً ومَن يخدِم البيوت؟ من يُنظِّف البيوت؟ من يُعِد الطعام للأولاد؟ هذا ليس فقهاً، ليس من الفقه أن تقول للناس لا تجب الخدمة.
لكن أُنبِّه على أمرٍ مهمٍ جداً، الخدمة بالمعروف، وليس أنه تجب الخدمة، أي يجب أن تخدمي البيت وفوق طاقتك وتنظيف كل يوم، وأنا عندي وسواس، وأُحب الطعام كل يومٍ خمسة أنواع، والأولاد، هذا كله اسمه تعنُّت وتعسُّف بالحقوق، الخدمة بالمعروف، يُنظَر إلى حال المرأة القوية غير الضعيفة، الكبيرة غير الصغيرة، التي عندها أولاد غير التي ليس عندها أولاد، فلا تُعامَل الزوجة إلا بأرقى معاملة.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19)
(سورة النساء)

وهل من المعروف أن تُحمَّل فوق طاقتها؟! إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الخدَم:

{ هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم، ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ. }

(أخرجه البخاري ومسلم)

هذا عن الخدَم، فزوجتك ليست خادمةً، زوجتك أُمّ، زوجتك ربُّنا عزَّ وجل أكرمك بها، فيجب أن تساعدها.

{ سَأَلْتُ عَائِشَةَ ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ. }

(صحيح البخاري)

يُساعدها في البيت، ما تأنف رجولته أن يُساعدها، يُعِد معها بعض الطعام، يأمُر الأولاد ذكوراً وإناثاً أن يقوموا لمساعدة أُمهم، لا تُرهق المرأة في بيتها، لكن أيضاً لا يُقال لها الخدمة ليست واجبة، لا بل واجبة لكن بالمعروف، بارك الله بكم.