المركزية في حياة المسلم

- خطبة جمعة
- 2025-09-19
- سورية - دمشق
- مسجد عبد الغني النابلسي
المركزية في حياة المسلم
يا ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات والأرض، وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عزك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك، والأمر كله إليك، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته. |
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذريِّة سيدنا محمدٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً. |
مقدمة:
وبعد فيا أيُّها الإخوة الكرام: لربما ألقيتَ يوماً محاضرةً فيها أفكارٌ كثيرة، إلا أنَّ فكرةً من هذه الأفكار هي الأساس، الذي بنيت عليه الأفكار الأُخرى ودارت حوله الأفكار الأُخرى، فتقول هذه هي الفكرة المركزية في المحاضرة، الفكرة المركزية بمعنى أنَّ الأفكار كلها دارت حول هذه الفكرة، فهي الفكرة المركزية، في المدارس المُتميزة ونحن على أعتاب عامٍ دراسيٍ جديد، يقولون الطالب هو محور العملية التعليمية، فهو المركز، بمعنى أنَّ الجهود كلها يجب أن تتوجه إلى تربية الطالب وتعليمه، فالطلاب هُم المركز الذي تدور حوله العملية كلها، لأنَّ النتيجة يجب أن تكون تعليم الطالب وتربيته، فهو القضية المركزية في المدرسة. |
للطُرفة فقط ومن المُضحِك المُبكي، كثيرٌ من العرب ومنذ مئة عامٍ كانوا يقولون: فلسطين قضية أمتنا المركزية والمحورية، ولكنهم لم يحركوا ساكناً لنصرتها، وغزَّة تُباد منذ أكثر من سنتين ولم يتحرك أحدٌ للدفاع عنها، فهل هي حقّاً قضيتنا المركزية؟ لا أدري!! |
القضية المركزية هي النقطة التي ينطلق منها الإنسان للنظر في الأمور وتقييمها:
أيُّها الإخوة الكرام: القضية المركزية هي النقطة التي ينطلق منها الإنسان، للنظر في الأمور وتقييمها، والحُكم عليها بالقبول أو الرفض، كل أنسانٍ لديه قضيةٌ مركزية من خلالها يحكم على الأشياء بالقبول أو بالرفض، ويُقيِّم الأشياء بناءً عليها، بعض الأشخاص قضيتهم المركزية هي الأعراف، فيقول لك مثلاً: هذا لم نتربَّ عليه، ما هكذا ربّانا أهلنا، هذا ليس من عاداتنا، ليس من تقاليدنا، القضية المركزية عنده هي العُرف التقاليد، وهذا ذَكرَه القرآن الكريم: |
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ(22)(سورة الزخرف)
نحن نتحرك حول المركز الذي كان عليه آباؤنا، هناك إنسانٌ قضيته المركزية هي القانون، يقول لك أنا أحتكم إلى القانون، ماذا يقول القانون في هذه المسألة، المركز الذي نحتكم إليه هو القانون، فكل إنسانٍ له قضيةٌ مركزيةٌ، يجد أنه يدور حولها لتقييم الأشياء من حوله وللحُكم عليها. |
الغرب كله قام على أساس أنَّ الإنسان هو مركز الكون:
المدنية الغربية، الغرب كله قام على أساس أنَّ الإنسان هو مركز الكون، وأنَّ تحقيق أكبر قدرٍ من الرفاهية، ولا أقول السعادة، وأنَّ تحقيق أكبر قدرٍ من الرفاهية له هو القضية المركزية، هذا أصل المدنية الغربية ولا أُسمّيها حضارةً، أصل المدنية الغربية أنَّ الإنسان هو المركز، فنسعى جميعاً لخدمته، حلال، حرام، يُسعده، لا يُسعده، ربما يكون شقاءً له بعد حين، المهم أن نُحقِّق الرفاه الأكبر للإنسان، هذا أصل المدنية الغربية، وهُم يقولون ذلك لا أقوله من عندي. |
ففي الغرب يتمحور كل شيءٍ حول الإنسان، وبناءً عليه تكون نظرة الإنسان للآخر نظرة استعلاء وعُنجُهية، على مبدأ الصهاينة نحن شعب الله المختار، فكل شعبٍ تُحقَّق له رفاهيةٌ في الغرب ينظُر إلى الآخرين على أنهم دونه، والغاية هي السيطرة وتحقيق الرفاه المادي، لذلك ربما يغزون بلداً يدَّعون أنهم جاؤوا إليه لحقوق الإنسان، وفي الحقيقة جاؤوا للسيطرة على منابع النفط، لأنهم يريدون أن يُحقِّقوا للإنسان، ليس لأي إنسان، للإنسان الذي يعيش داخل بلدهم فقط، يريدون أن يُحقِّقوا له أعظم قدرٍ من الرفاهية، فليكن ذلك على حساب الشعوب، وإبادة الشعوب، المهم أن نصِل إلى منابع النفط، وأن نُحقِّق أكبر قدرٍ من الرفاهية للإنسان الذي يعيش في بلدنا. |
وفي المدنية الغربية مع محورية الإنسان، تكون الأخلاق نسبية، ليس هناك أخلاقٌ ثابتة بل نسبية، إبادة الشعوب لا تُعد من الأخلاق، الصدق في العمل فقط، داخل دائرة العمل يصدُق من أجل أن يُحقِّق ربحاً عالياً فقط، أمّا خارج العمل يجلس مع من يشتهي، يفعل ما يحلو له، يُغلِق بابه يشرب الخمور، الأخلاق نسبية، فما يجده غير أخلاقي قد يجده غيره أخلاقياً، يقولون الأخلاق نسبية ليست ثابتة كما هو الإسلام. |
في الإسلام المركزية ليست للإنسان وإنما للوحي:
أمّا في الإسلام وهُنا موطن الشاهد: فالمركزية ليست للإنسان، المركزية للوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الإنسان وحده دون وحيٍ يأتيه الباطل، يبني حياته على أنقاض الشعوب، يبني عزه على إذلال الناس، المركزية في الحضارة الإسلامية هي للوحي، المركزية في المدنية الغربية هي للإنسان، في الحضارة الإسلامية المركز هو الوحي، فما يُرضي الله تعالى هو الحق وما يُغضِب الله هو الباطل، ندور جميعاً حول رضا الله، ورضا الله يكون من خلال الوحي، في كتاب الله وسُنَّة رسوله. |
{ تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ }
(أخرجه مالك في الموطأ)
عندها أيُّها الكرام، يتمحور كل شيءٍ حول رضا الله، والنظرة للآخر لا تكون نظرة استعلاء وعُنجُهية، وإنما تكون نظرة رحمة وإنصاف وعدل، ودعوةٌ إلى الله تعالى، وعندها أيضاً تكون الغاية ليست السيطرة على منابع النفط ومنابع القوة، وإنما تكون الغاية هي إعمار الأرض بالخير، وتكون الأخلاق ثابتة ليست نسبيةً، الأخلاق عندي وعند غيري واحدة، الصدق خُلُقٌ قويم، الاستقامة خُلُقٌ قويم، الأمانة خُلُقٌ قويم، الأخلاق ثابتة وليست نسبية، كل شخصٍ يأخذ من الأخلاق ما يناسبه ويدَع ما لا يناسبه، قال تعالى: |
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)(سورة الأنعام)
المركزية في حياة المسلم شعارها (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ):
هذه هي المركزية التي عنيتها بعنوان الخطبة، المركزية في حياة المسلم شعارها: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هذه عبادات، أنا لا أحيا من أجل الرفاهية، لا أحيا لأُحقِّق أكبر قدرٍ ممكنٍ من الماديات، أنا لست مادياً أنا أتعلَّق بالوحي (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). |
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا(36)(سورة الأحزاب)
ليس من شأن مؤمنٍ أو مؤمنة، أن يقضي الله ورسوله أمراً ثم يختار، يقول: لكن أجد أنَّ هذا أفضل لي، مَن أنت حتى يكون أفضل لك أو غير أفضل؟ الله تعالى قرر أنَّ هذا هو الحُكم وانتهت القضية، المركزية للوحي، القضية المحورية هي الوحي، بؤرة الاهتمام هي الوحي، البوصلة التي أتحرك من خلالها أنا المسلم هي الوحي. |
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(65)(سورة النساء)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)(سورة النساء)
أين المرجعية المركزية؟ (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). |
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(10)(سورة الشورى)
أي شيء، هذه (مِن) لاستغراق أفراد النوع، وبعدها (شَيْءٍ) أعمُّ كلمةٍ في اللغة العربية (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) فقط، ليس إلى الأعراف، إلى التقاليد، إلى ما وجدنا عليه آباءنا، إلى القانون، بل إلى الله إلى القانون الإلهي فقط. |
أيُّها الإخوة الكرام: سأضرِب مثلاً حتى تتوضَّح المسألة، في القانون مثلاً يقولون: العقد شريعة المُتعاقِدَين، عقد الرِبا، أُقرِضُك ألف وتُعيدها ألفاً ومئة، واتفقنا على ذلك، وأنا راضٍ وأنت راضٍ، لا يجوز حرام، يقول المسلم: حرام العقد ليس شريعة المُتعاقِدَين، العقد شريعة المُتعاقِدَين ما لم يُخالف حُكم الله تعالى، ومثاله الأوضح العلاقة الآثمة بين الرجُل والمرأة، هذا ليس اغتصاباً كما يقولون، بالتراضي، لكنه في شرع الله حرام، العلاقة لا تتم بين ذكرٍ أو أُنثى في شرع الله إلا ضمن إطار الزواج، أمّا خارج إطار الزواج زِنا مُحرَّم، فليس كل ما تراضى عليه البشر أو اتفقوا عليه، انتهت المشكلة فيه، لا، لأنَّ المركزية في الإسلام وفي حياة المسلم هي للوحي، ماذا قال الله؟ وماذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم؟ |
لذلك أيُّها الكرام، سمّى الله تعالى الوحي نوراً: |
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا(174)(سورة النساء)
لأنه يُضيء الطريق، لو أنك اشتريت آلةً غالية الثمن وعظيمة النفع، ولم تُرسِل الجهة الصانعة معها كُتيِّباً فيه التعليمات، لتشغيل الآلة ولصيانتها، فأنت أمام خيارين: إمّا أن تُشغِّل الآلة بخلاف التعليمات فيُصيبُها العَطَب والخلل، أو أن تُعطّلها فلا تستخدمها، والخياران سيئان، إذاً أيهما أهم الآلة أم تعليمات تشغيلها؟ التعليمات، لذلك قال تعالى: |
الرَّحْمَٰنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2) خَلَقَ الْإِنسَانَ(3)(سورة الرحمن)
الإنسان إذا تحرك من غير منهج سيُفسِد في الأرض:
هل علَّمه قبل أن يخلقه؟ القرآن أهم من الإنسان، فالإنسان ليس محور الكون، الوحي هو محور الكون، لأنَّ الإنسان إذا تحرك من غير منهج سيُفسِد في الأرض، ما هو الفساد في الأرض؟ كائنٌ مُكلَّف يتحرك بخلاف المنهج الذي كُلِّف به يكون الفساد، ما هو الزِنا؟ تحرُّك بخلاف المنهج، الرِبا؟ تحرُّك بخلاف المنهج، الغش؟ تحرُّك بخلاف المنهج، كل الفساد في الأرض سببه أنَّ الكائن كُلِّف بشيءٍ ثم تحرك بخلاف ما كُلِّف به، هذا هو الفساد. |
المادية الغربية هدفها أن تُصلِح الأشياء:
لذلك أيُّها الكرام: المادية الغربية هدفها أن تُصلِح الأشياء، انظُر إلى الغرب ومَن يتبَعه من الشرق، للأسف هناك الآن عولمة، ما يجري في الغرب يجري في الشرق في كثيرٍ من الأحيان، ما همّه الأول؟ إصلاح الأشياء، الجوال أشياء، الشاشة أشياء، التواصل أشياء، فهو يُصلِح الأشياء للإنسان، الذكاء الصناعي أشياء، يُصلِح له كل الأشياء من حوله لكنه لا يُصلِحه، أمّا الإسلام فجاء لإصلاح الإنسان، لأنَّ الإنسان إذا صَلَح بالوحي صلحت الأشياء كلها من حوله حُكماً، يُصبِح هو من يُصلِح الأشياء ويعمُر الأرض بالخير، فالهدف في الإسلام إصلاح الإنسان، والهدف في النظرية الغربية إصلاح الأشياء للإنسان. |
أيُّها الإخوة الكرام: اسمعوا إلى هذا النَص، كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ابن سيدنا عمر بن الخطاب كان في مجلسه يُحدِّث الناس، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها، قال بلالُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ قال: واللهِ لنمنَعُهنَّ قال: فسبَّه عبدُ اللهِ بنُ عمرَ أسوأَ ما سمِعْتُه سبَّه قطُّ وقال: سمِعْتَني قُلْتُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها، قُلْتَ: واللهِ لنمنَعُهنَّ؟! }
(أخرجه البخاري مسلم)
قالت لك زوجتك: أُريد أن أذهب إلى المسجد، تخرُج بثيابها المُحتشمة غير مُتعطرة، تريد أن تذهب إلى بيتٍ من بيوت الله، قامت بواجباتها في البيت، تريد أن تذهب إلى بيت الله، تُصلّي التراويح في رمضان، تحضر مجلس علمٍ مع آنستها، تحفظ القرآن الكريم (إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها) نَصٌ واضح لا يحتاج لا إلى تأويل ولا إلى تبديل، واضح جداً. |
فقال بلال بن عبد الله بن عمر، وربما قد أخذته الغيرة شيئاً ما، أو واقع الناس لعله رأى بعض النساء يخرُجنَ مُتعطراتٍ أو شيء، فأخذته الغيرة، فقال بصوتٍ خفيض: (واللهِ لنمنَعُهنَّ) لا يريد أن تخرُج زوجته، فسمعه عبد الله بن عمر، يقول الراوي (فسبَّه عبدُ اللهِ بنُ عمرَ أسوأَ ما سمِعْتُه سبَّه قطُّ) ما سمعت والداً يسب ابنه كما سبَّه، تعنيف شديد، ثم قال: (سمِعْتَني قُلْتُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها ثم قُلْتَ: واللهِ لنمنَعُهنَّ؟!) هذه هي المركزية في حياة المسلم الوحي، سيدنا عبد الله بن عمر لم يتحمَّل أن يسمع ابنه يقول: (واللهِ لنمنَعُهنَّ) بعد أن سمع قال صلى الله عليه وسلم. |
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما تعلمون غضب يوماً من شروط صلح الحُديبية، وجد فيها إجحافاً بحق المسلمين، كانوا يريدون أن يعتمروا فإذا بهم يعودون إلى بلادهم، ملأ الحزن قلوبهم، وجد بها إجحافاً جعل يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ كُنَّا بصِفِّينَ، فَقَامَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، فَقالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فإنَّا كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إلى أَبِي بَكْرٍ فَقالَ له مِثْلَ ما قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّه رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ }
(صحيح البخاري)
ثم بعد ذلك فهم المعادلة رضي الله عنه وأرضاه، ماذا كان يقول عمر؟ "ما زلت أصوم وأتصدَّق وأُصلّي وأُعتِقُ من الذي صنعت يومئذٍ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً، حتى أمنت أنَّ الله عفا عنّي" صدقة وصلاة وقيام وزكاة وكل الخيرات، من أجل أن يعفو الله عنّي، وأنا أحيد عن المرجعية ولو قيدَ أُنمُلة، عن المركزية. |
عمر رضي الله عنه كان يُقبِّل الحَجَر الأسود ويقول: |
{ رَأَيْتُ الأصْلَعَ يَعْنِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يُقَبِّلُ الحَجَرَ ويقولُ: وَاللَّهِ، إنِّي لأُقَبِّلُكَ، وإنِّي أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، وَأنَّكَ لا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبَّلَكَ ما قَبَّلْتُكَ، وفي رِوَايَةِ المُقَدَّمِيِّ وَأَبِي كَامِلٍ رَأَيْتُ الأُصَيْلِعَ }
(صحيح مسلم)
علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: "لو كان الدين بالرأي- لو كانت القضية قضية رأي، المركزية هي ما يحلو لي بما يُسمّيه الناس اليوم زوراً وبُهتاناً العقل- لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخُف أَولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خُفَّيه فأنا أمسح كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" الوسخ بأسفل الخُف أم بأعلاه؟ بأسفله، إذاً نمسح الوسخ من أسفله! |
كل شيءٍ يجب أن يكون مرجعه إلى الله:
أيُّها الإخوة الأحباب: كل شيءٍ يجب أن يكون مرجعه إلى الله، الحُب في الله والبُغض في الله، الولاء لله والبراء في الله. |
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(22)(سورة المجادلة)
لا تجد قوماً، الحُب في الله، أُحب أبي وأمي في الله: |
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)(سورة لقمان)
يجب أن تكون هذه القضية واضحة في أذهان المسلمين، أنَّ المركزية للوحي، أننا ندور جميعاً حول تطبيق أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. |
هل مركزية الوحي حاضرةٌ اليوم عند المسلمين كما ينبغي؟
السؤال الأهم: هل مركزية الوحي حاضرةٌ اليوم عند المسلمين كما ينبغي؟ عند كثيرٍ من المسلمين هل المركزية حاضرة؟ هل يعتبرون الوحي، قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أساساً في تعاملاتهم وحلَّاً لمشكلاتهم؟ |
يُعقَد عقد الزواج ويقول العاقِدُ على كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، المركزية واضحة، المرجعية واضحة، كتاب الله وسُنَّة رسوله، هل إذا وقع خلافٌ بين الزوجين، يعودان إلى الوحي مع أُسرتيهما أم إلى غير ذلك؟ |
المرأة المسلمة اليوم في بلاد الغرب، عندما تسمح لها ما تُسمّى حرية الغرب بين قوسين، أن تكون في وضعٍ آخر غير وضعها في بلدها، حرية على أساس، عندما تُطلَّق من زوجها ويُعطيها القانون نصف أملاك زوجها، وهي عقدت في الشام على كتاب الله وسُنَّة رسوله الذي يُعطيها المهر، فهل تأخذ المهر أم تأخذ نصف أملاك زوجها؟! كما يعطيها القانون الأمريكي. |
هل الذين يمنعون المرأة من حقِّها في الميراث وهم يُصلَّون في المساجد، يقول لا نورِّث البنات، نحن عادتنا في قريتنا البنات لا يرثون، لا نريد أن يخرُج المال خارج الأُسرة، هل هؤلاء المركزية عندهم الوحي أم الأهواء؟! |
هل الأب الذي قبل أن يموت، يُسجِّل أملاكه باسم ولدٍ من أولاده لأنه يحبه، ويترك الآخرين بغير مال ويقول لك: مالي أنا حُرٌ فيه، ومن قال لك إنه مالُك؟ مَن الذي أخبرك إنه مالُك؟ هو مال الله في يدك، والله تعالى تولَّى تقسيمه وأعطى كل ذي حقٍّ حقه، مَن أنت حتى تجترئ على حُكم الله تعالى وتُغيِّر فيه، وتقول فلان يرِث كذا وفلان لا يرِث كذا، مَن أنت؟ إذاً أنت المركز، تظن نفسك أنك المركز، المحور، المرجعية أنت، هوى نفسك، عقلك كما تقول، رأيك، هل المركزية للوحي حاضرة في حياة المسلمين؟ هذا ما يجب أن نسعى إليه، وما نُربّي عليه أولادنا وطلابنا، إذا قال الله وقال رسول الله صلى الله وعليه وسلم فقد انتهت المشكلة، وفق شرع الله تعالى، نحتكم إلى شرع الله، اجعلوا الوحي قضيةً مركزيةً حقَّاً، لا كما جعل العرب فلسطين قضيتهم المركزية زوراً وبهتاناً. |
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، واستغفروا الله. |
الحمد لله ربِّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. |
الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات. |
اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شرَّ ما أهمنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنّا، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنّا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين. |
وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنّا، أنت حسبُنا عليك اتكالنا. |
اللهم إنَّا نسألك الجنَّة وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بكَ من النار وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل. |
اللهم أهلنا في غزَّة، كُن لهم عوناً ومُعيناً، وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً. |
اللهم إن أعداءنا يقولون من أشدُّ منّا قوة، وقد غاب عنهم أنك أشدّ منهم قوة، فكن لهم يا ربّي بالمرصاد، وأنزِل عليهم سوطاً من عذاب. |
اللهم مُجري السحاب، مُنزِل الكتاب، هازِم الأحزاب، سريع الحساب، اهزِم الصهاينة المُعتدين ومَن والاهم ومَن أيَّدَهم ومن وقف معهم في سرٍّ أو علن، واصرِف شرَّهم عن ديارنا وعن ديار المسلمين. |
اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا، حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على عدوّنا وعدوّك. |
اللهم أطعِم الجوعى واكسُ العُراة وارحم المُصابين وآوِ الغُرباء، واجعل لنا في ذلك سهماً وعملاً صالحاً واغفر لنا تقصيرنا فإنك أعلم بحالنا. |
اجعل هذا البلد وسائر بلاد المسلمين أمناً سخاءً رخاءً، ووفِّق القائمين عليه لما فيه مرضاتك، وللعمل بكتابك وبسُنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين. |