نحن قوم أعزنا الله بالإسلام
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام
يا ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات والأرض، وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عزك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك، والأمر كله إليك، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته. |
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذريِّة سيدنا محمدٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً. |
التمكين والاستخلاف في كتاب الله تعالى وعداً يستحقه من يُقدِّمون أسبابه:
وبعد أيُّها الإخوة الكرام: لقد شاء الله لأمة الإسلام، أن يكون التزامها بدينها، وتمسُّكها بكتاب ربّها، مؤشِّراً لعزتها ولكرامتها، والتمكين لها، لذا كان التمكين والاستخلاف في كتاب الله تعالى، وعداً يستحقه من يُقدِّمون أسبابه، قال تعالى: |
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)(سورة النور)
وقال تعالى: |
الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)(سورة الحج)
فجعل الله تعالى الاستخلاف وعداً، وجعل التمكين وعداً منه جلَّ جلاله، فهو لم يأمرنا ابتداءً بالاستخلاف أو التمكين، لكنه جعله وعداً وأمرنا بتقديم أسبابه، وطلب منّا بعد تحقّقه مطالب، فأمّا ما يؤدّي إلى الاستخلاف والتمكين، فهو الإيمان والعمل الصالح، والعبادة مع التوحيد لله تعالى، فعباد الله الموحدون، الذين آمنوا به حقاً وعملوا الصالحات، التي تنبثق عن إيمانهم بالله تعالى، هؤلاء يستحقون الاستخلاف والتمكين في الأرض، ثم ما المطلوب منهم بعد ذلك؟ قال: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ) تابَعوا ما هُم فيه، من إقامة العلاقة الصحيحة مع الله (وَآتَوُا الزَّكَاةَ) تابَعوا ما هُم فيه من الإحسان إلى المخلوقين (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) حتى تضيق دوائر الباطل حُكماً، فتتسع دوائر الحق حُكماً، فإذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، كان ذلك تضييقاً لدوائر الباطل، وتوسيعاً لمساحة الحق. |
إذاً الوعد بالاستخلاف والتمكين في كتاب الله تعالى، يسبقه إيمانٌ وعملٌ صالح، وعبادةٌ وتوحيد، ويعقبه إقامةٌ للصلاة كما يرضي الله، وإيتاءٌ للزكاة، إحسانٌ إلى المخلوقين مع أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر. |
أمة الإسلام كلما زاد تمسُّكها بدينها ارتفع شأنها بين الأمم وعلا مقامها:
أيُّها الإخوة الأحباب: أمة الإسلام، كلما زاد تمسُّكها بدينها، ارتفع شأنها بين الأمم، وعلا مقامها، وكانت كلمتها هي العُليا، وفي الوقت نفسه كلما بعُدت عن دينها، وأضاعت منهج ربّها، واتَّبعت دنياها، لقيَت الغي من أعدائها، قال تعالى: |
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)(سورة مريم)
ولقد فهم عملاق الإسلام سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه، هذا القانون الذي مفاده، أنَّ أمة الإسلام كلما تمسّكت بدينها، علا شأنها بين الأمم، فهم عمر رضي الله عنه القانون، فقال قولته المشهورة: "نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلَّنا الله". |
ولا تسألني عن الأمم الشاردة عن منهج الله، ولا تقل لي كيف ارتفع ذكرُها وعلا سلطانها، وكيف أصبحت كلمتها هي العُليا على شعوب الأرض، فقانونهم غير قانوننا، وسُنَّة الله فيهم غير سُنَّة الله فينا، سُنَّة الله فينا، نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلَّنا الله، وعندما نَخرُج عن منهج الله، فسُنَّة الله فينا |
وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)(سورة السجدة)
لأننا مطلوبون لرحمة الله، ومطلوبون للعناية الإلهية، فما إن تنحرف البوصلة، حتى يأتي التأديب الإلهي، لنعود إلى الجادة، ولنعود إلى منهج ربنا، فيكون لنا النصر والتمكين، هذه سُنَّة الله لنا ما دمنا نفتخر ونقول نحن أمة الإسلام، نحن الأمة التي شرَّفها الله تعالى، نحن الأمة التي كرَّمها الله تعالى، ما دمنا من أمة الإسلام، فهذا قانوننا، نحن في العناية الإلهية، إمّا أن نكون على الطريق، أو أن نؤدَّب حتى نعود إلى الطريق. |
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)(سورة الأنفال)
قانون الأمم الشاردة عن منهج الله تعالى:
أي وهُم على الطريق، ومنهجك مُطبَّقٌ في حياتهم، فإن خرجوا عن المنهج (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فما داموا يستغفرون الله، فهُم في مأمنٍ أيضاً، أمّا أن يخرجوا عن الطريق، ويتركوا الاستغفار، فلا بُدَّ من العلاج، ولا بُدَّ من التأديب في الدنيا، ولا بُدَّ من العذاب الأدنى في الدنيا، دون العذاب الأكبر في الآخرة، لعلهم يرجعون، هذه سُنَّة الله فينا، فما بال الأمم الشاردة عن منهج الله؟ ما بالهم ينعمون بحياةٍ هانئة؟ ما بال بلادهم في الأعمّ الأغلب لا حروب فيها؟ ما بال بلادهم لا يأتيها ما يأتينا من مكر الأعداء؟ لماذا؟ قانونهم قانون آخر غير قانونك أيُّها المسلم؟ ولا أظنك ترضى للحظةٍ واحدة أن تخضع لقانونهم، اسمع إلى قانونهم: |
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)(سورة الأنعام)
(أَبْوَابَ) ولم يقل باب (كُلِّ شَيْءٍ) ولم يقل شيء، هذا قانونهم، هذه سُنَّة الله فيهم، فهل يحب مسلمٌ أن يخضع لقانونهم؟! حاشا وكلا، قانونهم: |
مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا(18)(سورة الإسراء)
(مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) أي الدنيا، ولا أظن أحداً يقبل أن تكون هذه سُنَّة الله فيه، كلنا نحب أن تكون سُنَّة الله فينا تأديباً، وعذاباً أدنى دون العذاب الأكبر، لعلَّنا نؤوب إلى ربنا ونرجع إليه، ونصطلح معه. |
لا تضعوا أسلحتكم فالمعركة لم تنتهِ وكل منّا يعرف سلاحه وكيف يستخدمه:
أيُّها الإخوة الأحباب: مضى على تحرير بلدنا من العصابة المُجرمة، وإيران الطائفية الحاقدة، أربعة أشهُرٍ تقريباً، ووقت الاحتفالات بالتحرير قد انتهى، ووقت المهرجانات الحاشدة قد انقضى، وصار وقت الجدِّ والعمل، الأيام تُثبت أنَّ المعركة لم تنتهِ بعد، وأنَّ الأعداء يتربصون بنا، وعلى رأسهم الصهاينة المعتدون، أهل الشام، أهل سورية، أهل الإسلام، إيِّاكم أن تضعوا أسلحتكم، خذوا حذركم وأسلحتكم. |
وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا(102)(سورة النساء)
وكلٌّ منّا له سلاحه الذي يُتقنه ويُجيد استخدامه، فلا تضعوا سلاحكم، معذرةً إلى ربكم، وبراءةً بين يديه جلَّ جلاله، المُعلِّم في صفّه يملِك سلاح التعليم والوعي والتوجيه، الإمام في مسجده يملِك سلاح النصح والتوجيه، الإعلاميّ يملِك سلاح الإعلام، الإعلامي المُلتزم بقضايا أُمته يملِك سلاح الإعلام ويُتقنه، والاقتصادي يملِك سلاح المال لتقوية الجبهة الداخلية ودعمها، وسلاح الجميع الذي يجب أن يبقى حاضراً، هو الصبر مع التقوى، فلنوَطّد أنفسنا على الصبر مع تقوى الله تعالى، فإنَّ الصبر مع القهر ليس وراءه إلا القبر، الصبر مع القهر وراءه قبر، أمّا الصبر مع التقوى فوراءه عزٌّ ونصر، قال تعالى: |
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(120)(سورة آل عمران)
إياك أن يؤتى الإسلام من الثغر الذي ترابط عليه ولو من معصيةٍ تُصرّ عليها:
أيُّها الإخوة الكرام: والجندي سلاحه يحمله ليدافع عن دينه وعرضه، أنت على ثُغرةٍ من ثُغر الإسلام، فلا يؤتيَنَّ الإسلام من قِبَلِك، حافظ على الثغر الذي أنت فيه، وإيّاك أن ينال الأعداء أُمتك، من الثغر الذي أنت مرابطٌ عليه. |
أيُّها الكرام: يقول الحسن: "إنما المسلمون على الإسلام بمنزلة الحصن"، نحن نراقب حِصناً، نحن على الإسلام بمنزلة الحِصن، فإذا أحدث المسلم حدثاً، مهما بدا هذا الحدث يسيراً، مهما بدا بسيطاً، أقام حفلةً مختلطةً لا تُرضي الله، هذا أحدث حدثاً في الإسلام، أحدث ثُلمةً، لا تقل لي ماذا فعلت؟! فعلت، إذا غشَّ مسلماً أحدث في الإسلام حدثاً، إذا سبَّ وفحُشَ في الكلام أحدث في الإسلام حدثاً، مهما كان الحدث بسيطاً، أنت على ثغر، قال: فإذا أحدث المسلم حدثاً، ثَغر في الإسلام من قبله، ثغرة، فإن أحدث المسلمون كلهم، فاثبُت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله، لا يؤتيَنَّ الإسلام من قِبلِك، احفظوا هذه العبارة يا أحبابنا وأنا أحفظها معكم، "لا يؤتيَنَّ الإسلام من قِبلِك"، قد ينال الأعداء شيئاً من ديننا، لكن إيّاك أن يكون ذلك من الثغر الذي أنت عليه، لا يؤتيَنَّ الإسلام من قِبلِك، اِلزَم الثغر الذي تُتقِن سدَّه ومَلءَ فراغه، ولو ترك الناس كلهم ثغورهم، نحن نتحدث دائماً عن بعض الرُماة على جبل أُحُد، وكم من جبلٍ غادرناه وتركناه ثَغراً لأعدائنا. |
لا تبرحوا أماكنكم فما زال في جُعبتنا من السهام ما ينبغي رميه على الأعداء:
النبي صلى الله عليه وسلم أيُّها الكرام، جعل على جبل أُحُد خمسين رجُلاً، وأمَّرَ عليهم عبد الله بن جُبير، ثم قال، هذا درس للتاريخ وليس خاصاً بجبل أُحُد: |
{ عن البَراءَ قالَ : جعلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ على الرُّماةِ يومَ أُحُدٍ وَكانوا خمسينَ رجلًا عبدَ اللَّهِ بنَ جُبَيْرٍ، وقالَ: إن رأيتُمونا تَخطفُنا الطَّيرُ، فلا تبرَحوا من مَكانِكُم هذا حتَّى أُرْسِلَ لَكُم، وإن رأيتُمونا هزَمنا القومَ وأوطَأناهُم فلا تبرَحوا حتَّى أُرْسِلَ إليكُم. قالَ: فَهَزمَهُمُ اللَّهُ. قالَ: فأَنا واللَّهِ رأيتُ النِّساءَ يُسنِدنَ على الجبلِ، فقالَ أصحابُ عبدِ اللَّهِ بنِ جُبَيْرٍ الغَنيمةَ أي قومِ الغَنيمةَ : ظَهَرَ أصحابُكُم فما تَنتَظِرونَ؟ فقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ جُبَيْرٍ: أنَسيتُمْ ما قالَ لَكُم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ؟ فقالوا: واللَّهِ لَنَأْتينَّ النَّاسَ فلَنُصيبنَّ مِنَ الغَنيمةِ، فأتَوهم فصُرِفَت وجوهُهُم وأقبَلوا مُنهزمينَ }
(أخرجه البخاري وأبو داوود وأحمد)
لو بدأت الطير تنهش في جثثنا، يعني المعركة انتهت منذ زمن، فلا تبرحوا مكانكم حتى أُرسل إليكم، حتى يأتي أمرٌ معاكس (وإن رأيتُمونا هزَمنا القومَ وأوطَأناهُم) انتهى القوم، أوطأناهم بأقدامنا، انتصرنا نصراً عزيزاً مؤزَّراً (فلا تبرَحوا حتَّى أُرْسِلَ إليكُم)، فلمّا هُزم المشركون قال الرُماة: الغنيمة، أي قوم الغنيمة، انتهى صار وقت الغنائم، انتهى وقت المعركة فماذا تنتظرون؟ قال عبد الله بن جُبير، وبقي معه عشرة رجال فقط، والأمير عبد الله بن جُبير، قال: (أنَسيتُمْ ما قالَ لَكُم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ؟) لا تبرحوا مكانكم، لا تبرح مكانك أخي المسلم، لا تترك مكانك، المعركة لم تنتهِ، ما زلنا على الثغور، ما زال الأعداء يتربَّصون بنا، ما تزال قوى الشرّ في مشرق الأرض ومغربها، تنتظر الثَغرة لتدخل منها. |
فإيّاك وإيّايَ أن تكون الثغرة التي يدخل منها الأعداء معصيتنا لربّنا، أو تركنا لمكاننا، أو تركنا للمهمة التي كلَّفنا الله بها، استُشهد عبد الله بن جُبير، وخُلِّد اسمه في التاريخ، مع عشرةٍ من الرجال من بين خمسين رجلاً، عشرون بالمئة ثَبَتوا ولم يؤتَ المسلمون في أُحُد من قِبلِهم، فقط عشر رجال من خمسين، عشرون بالمئة، رفضوا أن يتركوا ثَغرهم، واستُشهدوا على جبل الرُماة، وسُمّوا في سجل الخالدين إلى يوم القيامة، أنهم القوم الذين لم يبرحوا مكانهم، ولم يتركوا الثَغر الذي كُلِّفوا به، ولم يضعوا أسلحتهم. |
أيُّها الإخوة الأحباب: أهلنا في غزَّة يتعرضون لحملة إبادةٍ مُمنهجة، وعلى مرأى العالم وبصره وتأييده، هؤلاء الذين صدَّعوا رؤوس الدنيا بحقوق الإنسان، هؤلاء والله لا يعرفون شيئاً، لا عن الحقوق ولا عن الإنسان، فقد داسوا بحوافرهم على كل قيمة، وعلى كل مبدأ، وأعانونا على أن نكفر بهم، وبمدنيَّتهم المُزيَّفة، وبحضارتهم البائسة، وبقوتهم المتغطرسة، وبكلامهم المعسول الذي لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر. |
وعدوُّنا دخل أرضنا، واستُشهد على أرضنا من أهل درعا الكرام من استُشهد، ممن رفضوا أن يُدنِّس العدوّ دارهم وأرضهم، فرحم الله شهداء غزَّة، ورحم الله شهداء درعا، وأعلى مقامهم في عليّين، وانتقم من الصهاينة المجرمين. |
لم تنتهِ المعركة والمخاض عسير وما بعده ولادة أمةٍ من جديد:
أيُّها الإخوة الأحباب: لا لم تنتهِ المعركة، والمخاض عسير وما بعده ولادة أمةٍ من جديد، وقد بدت أنوار هذه الولادة تلوح في الأُفق، وما هذا الاستشراس من هذا القابع في البيت الأسود، وذاك المُجرم في ما يُسمّى تل أبيب، إلا والله أعلم بداية النهاية، لأنهم يزيدون في غلِّهم وحقدهم وغطرستهم، والله تعالى الجبار سينتقم منهم كما انتقم من أسلافهم، وقد رأينا بأُمّ أعيننا انتقام الله تعالى، إنَّ أشدّ ساعات الليل حلكةً وظلمة، هي تلك التي تسبق بزوغ الفجر، وكما أذِن الله تعالى بإجلاء الاحتلال الصَفوي عن أرضنا، فإنه بإذن الله سيأذَن بجلاء الاحتلال الصهيوني. |
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، وأستغفر الله. |
الحمد لله ربِّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. |
مُلخَّص الخطبة: أنت على ثَغرٍ فلا تتركه:
أيُّها الإخوة الأحباب: مُلخَّص خطبتنا، أنت على ثَغرٍ فلا تتركه، لا تضعوا أسلحتكم، المعركة لم تنتهِ، والسلاح متنوُّع، وكلٌّ منّا يعرف سلاحه، ويعرف كيف يستخدمه، إياك أن يؤتى الإسلام من الثَغر الذي تُرابط عليه، ولو من معصيةٍ لله تُصرّ عليها، لا تبرحوا أماكنكم، لا تنزلوا من على جبل الرماة، فما زال في جُعبتنا من السهام ما ينبغي رميه على الأعداء، ولنبُشر جميعاً إن شاء الله إن ثبتنا، بنصر الله تعالى. |
الدعاء:
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، ربَّ المستضعفين وأنت ربُنا، إلى مَن تكلنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وصلَح عليه أمر الأولين والأخرين، أن يحل علينا غضبُك، أو ينزل بنا سخطُك، لك العُتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لنا. |
اللهم إنّا نسألك أن تُفرِّج عن أهلنا في غزَّة، فرجاً عاجلاً غير آجل يا أرحم الراحمين، وأن تغفر لنا تقصيرنا فأنت أعلم بحالنا. |
اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عاريهم، وارحم مُصابهم، وآوٍ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً مُتقبَّلاً وسهماً صالحاً يا أرحم الراحمين. |
اللهم يا أكرم الأكرمين، يا مُجري السحاب، ويا مُنزل الكتاب، ويا سريع الحساب، ويا هازم الأحزاب، اهزم الصهاينة المُعتدين ومَن والاهُم ومَن أيِّدهم ومَن وقف معهم، في سرٍّ أو في علَن. |
اللهم أنزِل على أهلنا في غزَّة من الصبر أضعاف أضعاف ما نزل بهم من البلاء، فإنك وليُّ ذلك والقادر عليه يا أرحم الراحمين. |
يا ربّي قد عمَّ الفساد فنجِّنا، قلَّت حيلةٌ فتولَّنا، ارفع مقتك وغضبك عنّا، لا تعاملنا بما فعل السفهاء منّا، ربنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون. |
اللهم إنّا نسألك أن ترحم شهداءنا في درعا، وأن ترحم شهداءنا في غزَّة، وأن ترحم شهداءنا في كل مكانٍ يُعلى فيه اسمك ويذكر فيه اسمك يا الله. |
اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، ووفِّق القائمين عليه للعمل بمرضاتك، واجعل بلادنا مستظلةً بكتابك وبسُنَّة نبيِّك صلى الله عليه وسلم، سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. |