إغلاق منافذ الشرك

  • الحلقة الثامنة والعشرون
  • 2020-05-21

إغلاق منافذ الشرك

السلام عليكم: الآية اليوم هي الآية الثالثة والعشرون من سورة نوح وهي قوله تعالى:

وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا
(سورة نوح: الآية 23)

من هؤلاء وَد، وسُوَاع، ويَغُوث، وَيَعُوق، وَنَسْر؟ هؤلاء أصنام كان يعبدهم أهل الجاهلية من المشركين. لكن ما قصتهم؟
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كما في صحيح البخاري، قال:

{ صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلاَعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ }

(صحيح البخاري)

(صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ) أي هذه الأَوْثَانُ كانت تُعبَد زمن نوحٍ عليه السلام، وصَارَتْ فِيما بعد فِي العَرَبِ يعبدونها من دون الله، أو كما يزعمون يعبدونها لتقربهم إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ.

مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ
(سورة الزمر: الآية 3)

(أَمَّا وَدٌّ فكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ) لقبيلة كلب، (وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ) كل قبيلة لها صنمٌ من الأصنام.

مصدر تسمية هذه الأوثان
ما قصة هذه الأسماء ومن أين جاءت في قوم نوح ثم انتقلت إلى العرب بعد مئات السنين؟ القصة:
سبب تسمية هذه الأوثان
(يقول ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هؤلاء أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ) هم في الأصل، وَدّ، وسُوَاع، ويَغُوث، وَيَعُوق، وَنَسْر، (هؤلاء أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ) عاشوا مع نوحٍ عليه السلام وكانوا رجالاً صالحين يُشهد لهم بالخير، (فَلَمَّا هَلَكُوا) مات هؤلاء الصالحون، (أَوْحَى الشَّيْطَانُ) وسوس الشيطان، (إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَاباً، وَسَمّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ) بمعنى اجعلوا لكل واحدٍ من هؤلاء الصالحين تمثالاً، انصبوا له نصباً، أَنْصَاباً، وَسَمّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فجعلوا تمثالاً لوَدّ وآخر لسُوَاع وثالث ليَعُوق وهكذا، جعلوا لكل رجلٍ من هؤلاء الصالحين تمثالاً، ما السبب؟ لماذا جعلوا هذه التماثيل؟ من أجل أن يتذكروهم، من أجل أن يتذكروا فضلهم، وصلاحهم، فجعلوا لهم تماثيل، (قال: فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ) ما كان الناس يعبدون هذه التماثيل وإنما كانوا قد جعلوها ليتذكروا فيها هؤلاء الصالحين، (يقول ابْنِ عَبَّاسٍ: حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ) هؤلاء الذين نصبوا التماثيل ماتوا وجاء بعدهم أقوام، (وَتَنَسَّخَ العِلْمُ) بعد حين لم يعد يعرف الناس لماذا نصبت هذه التماثيل وقلَّ العلم بين الناس وفشا الجهل، (قال: وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ) عُبِدَتْ من دون الله وهي في الأصل لم تنشأ للعبادة.
أريد أن أعلق بفائدتين سريعتين: الأولى خاصة والثانية عامة.

علة تحريم التماثيل
الفائدة الخاصة: أن الله تعالى عندما حرم التماثيل إنما حرمها لحكمةٍ جليلة:

{ عَنِ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ }

(صحيح البخاري)

تحريم صنع التماثيل
والمقصود بالمصورين هؤلاء الذين يصورون خلق الله على شكل تمثال أو على شكل صورة ويرسمون ذوات الأرواح من إنسان وحيوان، فحرم الله تعالى هذا من أجل مصلحةٍ عظيمة وهي سد منافذ الشرك وباب الشرك وسد كل ذريعةٍ تؤدي إلى الشرك، هذه الفائدة الخاصة.

أمر الله تعالى هو لمصلحةٍ ولخيرٍ
أمر الله تعالي دائماً لخير
الفائدة العامة: أي أمر يأمر الله تعالى به فهو لخير وهو لمصلحة وقد لا تتضح الحكمة منها لك فإياك أن تتداولها بعقلك وأن تجعل عقلك حكماً على شرع الله عز وجل، توقف عند أمر الله تعالى وعند نهيه فهو الأعلم بما يُصلح عباده، هؤلاء لما نصبوا التماثيل كان المنصوب لهم التماثيل رِجالاً صالحين، وكان الناصبون للتماثيل رِجالاً صالحين، وكان الهدف هدفاً سامياً وهو تذكر هؤلاء والاقتداء بأفعالهم، لكن الذي حصل فيما بعد أن هذه الأصنام عُبِدَتْ من دون الله في قوم نوح وظل الأمر منتشراً سنواتٍ طويلة إلى أن وصل إلى العرب وما زالوا يعبدون هذه الأصنام من دون الله بهذه الأسماء التي سُموا بها، وَدّ، وسُوَاع، ويَغُوث، وَيَعُوق، وَنَسْر.
إذاً نغلق منافذ الشرك ونتأكد أن كل أمرٍ أمر الله تعالى به إنما هو لمصلحةٍ ولخيرٍ، عَلِمَ من علم وجَهِلَ من جهل.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.