دروس من الفتوحات الإسلامية في رمضان
دروس من الفتوحات الإسلامية في رمضان
الأستاذ مجاهد:
مشاهدينا الكرام ابقوا معنا، حيث نستكمل حلقتنا مع الأستاذ الدكتور بلال نور الدين، الذي سينضم إلينا بعد هذا الفاصل، والذي نستعرض فيه غزوة بدر الكبرى، والتي وقعت في مثل هذا اليوم، يوم الاثنين السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني للهجرة النبوية المُشرَّفة نتابع. |
غزوة بدر الكبرى:
ها أنا ذا في أرض بدر، حيث اصطفَّت السيوف تحت شمسٍ لاهبة، ووقف الجيشان يترقَّبان لحظةً ستُغيِّر وجه التاريخ، تعالوا لأسرد لكم ما حدث: |
أفلتت عيرٌ لقريشٍ من النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابها من مكَّة إلى الشام، فلما قَرُب رجوعها، ترصّدها المسلمون ردّاً على ما أصابهم في مكَّة، وكانوا يومها ثلاثمئةٍ وبضعة عشر رجلاً، وفرسين، وسبعين بعيراً، وما إن سمع أبو سفيان، وهو المسؤول عن القافلة بخروج المسلمين، حتى سارع بإرسال الخبر إلى المشركين في مكَّة، الذين سارعوا بتجهيز جيشٍ قوامه نحو ألفٍ وثلاثمئة مقاتل، تحت قيادة أبو جهلٍ عمرو بن هشام، وعند اقترابهم من ميدان المعركة، وصلهم خبر نجاة القافلة، لكن أبا جهلٍ رفض العودة وتجهّز للقاء جيش المسلمين، "والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم فيها ثلاثاً" وتحرك الرسول الكريم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، خرج ثلاثةٌ من خيرة فرسان قريشٍ للمبارزة، فلقيَهم ثلاثةٌ من خيرة فرسان المسلمين، وكانت نهاية هذه المبارزة بدايةً سيئةً للمشركين، إذ فقدوا ثلاثةً من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعةً واحدة، فاستشاطوا غضباً وكرّوا على المسلمين كرَّة رجُلٍ واحد، وانتهت المعركة بهزيمةٍ ساحقةٍ للمشركين، وبفتحٍ مبينٍ للمسلمين. |
أهلاً بكم، عُدنا إليكم مرةً أُخرى، في هذه الحلقة التي تدور حول الدروس من الفتوحات الإسلامية التي حدثت في رمضان، وينضم إلينا الأستاذ الدكتور بلال نور الدين الداعية الإسلامي، أهلاً بك دكتور بلال معنا في هذه الحلقة، والتي نتحدث فيها عن الدروس والعِبَر من الفتوحات الإسلامية في رمضان، أهلاً بك دكتور. |
الدكتور بلال نور الدين:
أهلاً وسهلاً بكم، حيّاكم الله، شكراً أستاذ مجاهد لهذه الاستضافة الكريمة. |
الأستاذ مجاهد:
فضيلة الدكتور عرضنا قبل قليل بالذكاء الاصطناعي غزوة بدر الكبرى، معركة الفرقان، وأحداثها معروفة بالنسبة للكثير من المسلمين، لكن لو أردنا أن نقف عند لحظة النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للصحابة عن أسرى بدر: |
{ استَوْصُوا بالأُسَارَى خيرًا }
(أخرجه الطبراني)
ما الذي أسَّس له النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف ترى هذه المعاني تحقَّقت في عملية تسليم الأسرى في غزَّة؟ |
كيف يُعامل المسلمون أسراهم؟ وكيف عامل أهل غزَّة أسراهم؟
الدكتور بلال نورالدين:
بارك الله بكم، الحقيقة أنَّ تاريخ الإسلام يشهد أنَّ المسلمين كانوا يعاملون الأسير أرقى معاملة، وأفضل معاملة، والقرآن الكريم يؤكِّد هذا المعنى فيقول تعالى: |
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8)(سورة الإنسان)
فيجعل إطعام الطعام حُبَّاً لله، ورغبةً في رضا الله تعالى، وليس أعظم من أن نُطعم الأسير، والمسكين، واليتيم، والفقير، ثم إنَّ الإسلام العظيم، جعل أمام الأسير شيئين اثنين، قال: |
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ(4)(سورة محمد)
فجعل أمام الأسيرين خيارين اثنين، الأول هو الفداء، وهو أن يفديه بمالٍ أو بمقابل أسير آخر عند العدو، والثاني هو أن يمُنَّ عليه فيُطلقه إحساناً له دون أي مقابل، أضف إلى ذلك، أنّ الأسير في الإسلام يُربّى تربيةً نفسيةً عالية، فيرى من عدل المسلمين ومن رحمتهم، عندما يؤسَر عندهم، ما يدفعه إلى أن يؤمن بعدالة قضيتهم، فالله تعالى يقول: |
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(70)(سورة الأنفال)
فهو يُربّي الأسير نفسياً، ويعتني به جسدياً، ويتلمَّس فيه مكامن الخير، فإذا نظرنا إلى ما حصل في غزَّة العِزَّة، غزَّة المُباركة، فلننظر فقط إلى وجوه أسرانا ووجوه أسراهم، حتى نتبيَّن كيف عاملنا الأسير وكيف عاملوا هُم أسرانا، أسأل الله تعالى أن يُثيبهم خيراً، فانظر إلى وجوه أسراهم، لمّا خرجوا من سجون أهل غزَّة، كيف كانوا مستبشرين، وكيف كان يظهر عليهم الصحة الكاملة والتامة، وكيف تشكَّروا سجّانهم، وهذا لم يحصل في تاريخ الناس، إلا في تاريخ المسلمين، الذين يعتزَّون بدينهم ويُطبِّقونه، ثم انظر إلى وجوه أسرانا، وما تعرَّضوا له وما تعرَّض له أهلهم، وكيف دخلوا بحالٍ وخرجوا بحالٍ أُخرى، حتى كأنك لا تعرفهم ولا تعرف شكلهم، لشدّة ما عانوه في سجون الصهاينة المعتدين، نظرةٌ واحدة في وجوه أسرانا وأسراهم، تُخبرك عن عدالة الإسلام، وتُخبرك عن ظُلم وكُفر هؤلاء المعتدين المجرمين، الذين لا يرقبون فينا إلّاً ولا ذِمة. |
الأستاذ مجاهد:
نعم فضيلة الدكتور بارك الله بك، البعض يلوك بتحميل المقاومة في غزَّة، المسؤولية عن الدمار الشامل الذي حلَّ في غزَّة، وأنَّ المقاومة لم تراعِ موازين القوة، فما رأيكم بهذا؟ استشهاداً بغزوة بدر الكبرى. |
على المسلمون أن يقاموا عدوهم بما يستطيعون والله يتولى نصرهم وإمدادهم:
الدكتور بلال نور الدين:
الحقيقة سيدي، مَن يلوم المقاومة فهو يلوم الضحيَّة، ويقف مع الجلاد، كل من يتكلم في هذا الوقت الذي نعاني فيه ما نعاني، ويعاني أهلنا في غزَّة الجوع والحصار والتجويع، في حرب إبادة لم يشهد التاريخ مثلها إلا قليلاً، كل من يفعل ذلك، فهو يقف من حيث أراد أو لم يُرِد، في صف المجرمين، المسؤولون عن ما حصل يا سيدي هم الصهاينة، ومَن سكت عن إجرامهم من قوى الاستكبار العالمي، هل من الحكمة، أو من العقل، أو من الدين، أن نلوم الضحيَّة ونقف في صف الجلاد؟ |
عشرات السنوات وهم محاصرون، وهم لا يدخل إليهم إلا الفُتات والقليل، والانتهاكات في المسجد الأقصى، والانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يقبلوا بإعطائهم حقّهم في دولةٍ مستقلة، ثم بعد ذلك نلوم من يريد أن يأخذ حقَّه، انظروا إلى غزوة بدر كيف كان توازن القوى فيها، ثلاثمئة وتسعة عشر رجُل من المسلمين، في مقابل ألف من المشركين، ثلاثة أضعاف! المسلمون معهم فرسان فقط، في مقابل مئتا فرس مع المشركين! المسلمون معهم سبعون بعيراً فقط، لثلاثمئة وتسعة عشر يتناوبون على ركوبها، بينما كان مع المشركين سبعمئة بعير! المسلمون كان معهم بعض السيوف والرماح، والقليل جداً من الدروع المهمة في المعركة، بينما كان المشركون يمتلكون السيوف والرماح والدروع والتروس! فأين دراسة المعركة وتوازن القوى؟ |
نعم أنا لا أُنكِر أنَّ المقاومين على الأرض، أو المجاهدين، أو أي دولة ينبغي أن تدرس موازنة القوى قبل البدء بالمعركة، لا نُنكر ذلك، لكن لمّا طلب منّا القرآن الكريم الإعداد، هل طلب إعداد القوة المكافئة أم استنفاد القوة المتاحة؟ هنا السؤل، قال تعالى: |
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)(سورة الأنفال)
أي استنفدوا الجهد في إعداد القوة الإعلامية، والقوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، ما قال وأعدّوا لهم ما يُماثل قوتهم، لأنَّ هذا لن يكون إلا في حالاتٍ ضيقة جداً، في عزّ الإسلام ودولته، أمّا إذا كنّا ننتظر حتى نُعدّ لهم القوة التي تُكافئ قوتهم، فهذا ربما لن يحدث، لأنهم في كل يوم يمضي، يقوون ونضعُف حُكماً بقوتهم، إذاً لا بُدَّ من أن نُقاوم شرَّهم، وأن ندافع أذاهم بما نستطيع، والله عزَّ وجل إن شاء الله، يتولى نصرنا ويتولى تأييدنا، ويتولى إمدادنا بمددٍ من عنده، كما أمدَّ المسلمين في غزوة بدر، ليس من الحكمة، ولا من المنطق، ولا من العقل، ونحن نرى إخواننا يُسامون سوء العذاب، ويتعرضون لهذه الحرب البشعة، أن نقف في صف عدوِّهم ونلومهم لأنهم طالبوا بحقوقهم، وانتفضوا لنصرة مسرى نبيِّهم، بل الحق والعدل أن نقول للمجرمين قد أجرمتم، وأن نسعى كل السعي، لإمداد أهلنا في غزَّة، بما نستطيع من الطعام والدواء والكساء وغير ذلك، وكلٌّ من موقعه بما يستطيعه، لعلَّ الله يغفر لنا تقصيرنا ويغفر لنا تخاذلنا. |
الأستاذ مجاهد:
فضيلة الدكتور بالحديث حول الشام، ما هو فضل الشام كما ورد في القرآن والسُنَّة النبوية المشرَّفة؟ |
فضل بلاد الشام في القرآن والسُنَّة المشرفة:
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، الحقيقة شيخنا جزاه الله خيراً، أفصح عن فضل الشام في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الكثيرة، لمّا قال تعالى: |
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)(سورة الإسراء)
هذه الأرض المُباركة هي أرض الشام، وبركتها ببركة المسجد الأقصى. |
لمّا قال تعالى: |
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71)(سورة الأنبياء)
قال الحسن ومجاهد هي أرض الشام، البركة في الدين، والبركة في الدنيا، لمّا قال تعالى: |
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ(1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)(سورة قريش)
هذا الربط بين مكَّة المكرَّمة وأرض الشام المُباركة، في رحلة الصيف إلى أرض الشام، ورحلة الشتاء إلى اليمن. |
مكانة الشام في أحاديث النبي بعشرات الأحاديث الصحيحة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: |
{ كُنَّا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فشكَوْنا إليه الفَقرَ والعُرْيَ وقِلَّةَ الشيءِ، فقال: أبشِروا، فواللهِ لأَنا وكثرةُ الشيءِ أخْوَفُ عليكم مِن قِلَّتِهِ، واللهِ لا يزالُ هذا الأمرُ فيكم حتى تُفتَحَ لكم أرضُ فارسَ والرومِ، وأرضُ حِمْيَرَ، وحتَّى تكونوا أجنادًا ثلاثةً: جُنْدٌ بالشَّامِ، وجُنْدٌ بالعِراقِ، وجُنْدٌ باليَمَنِ، وحتَّى يُعطى الرَّجُلُ المِئَةَ الدينارِ فيَسخَطُها، قال ابنُ حَوَالةَ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، مَن يستطيعُ الشَّامَ وبها الرُّومُ ذَواتُ القُرونِ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: واللهِ لَيَستخلِفَنَّكُمُ اللهُ فيها حتى تَظَلَّ العِصابةُ منهمُ البِيضُ قُمُصُهمُ، المُحَلَّقَةُ أقْفاؤُهم، قيامًا على الرَّجُلِ الأسودِ منكمُ المحلوقِ، وإنَّ بها اليومَ رِجالًا لأنتم أحقَرُ في أعيُنِهم منَ القِرْدانِ في أعجازِ الإبِلِ، قال ابنُ حَوَالةَ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، خِرْ لي ، إنْ أدرَكَني ذلك، قال: أَختارُ لكَ الشَّامَ، فإنَّها صَفْوةُ اللهِ من بلادِهِ، واللهُ يَجتَبي صَفْوتَهُ مِن عبادِهِ بأهلِ الإسلامِ، فعليكم بالشَّامِ، فإنَّ صَفْوةَ اللهِ منَ الأرضِ الشَّامُ، فمَن أبَى فيَسقيَ بغُدُرِ اليَمَنِ، فإنَّ اللهَ قدْ تكفَّل لي بالشَّامِ وأهلِهِ. }
(أخرجه شعيب الأرناؤوط والطبراني والبيهقي)
{ إني رأيتُ عمودَ الكتابِ انتُزِعَ من تحتِ وسادتي فنظرتُ فإذا هو نورٌ ساطعٌ عمد به إلى الشامِ ألا إنَّ الإيمانَ إذا وقعتِ الفتنُ بالشامِ }
(أخرجه أحمد والطبراني)
أبو الدرداء رضي الله عنه في حديثه: |
{ إن فُسطاطَ المسلمين يومَ المَلحمةِ بالغُوطةِ، إلى جانبِ مدينةٍ يُقالُ لها: دِمَشْقُ، مِن خيرِ مَدائنِ الشامِ }
(أخرجه أبو داود وأحمد)
{ ينزلُ عيسى بنُ مريمَ عليه السلامُ عند المنارةِ البيضاءِ شَرقِيَّ دمشقَ }
(أخرجه مسلم وأبو داوود وابن ماجه وأحمد)
فأرض الشام المُباركة، التي تمتد جغرافياً بسورية اليوم، والأردن، وفلسطين، ولبنان، والجزء الجنوبي من تركيا، وإلى سيناء في مصر جغرافياً، هذا هو امتداد أرض الشام المُباركة، فهذه الشام أرضٌ مُباركة، بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها، ففي غزوة الأحزاب، كان المسلمون جوعى، والبرد قارس، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب الحجر ويقول لهم: |
{ لمَّا أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن يُحفَرِ الخندقَ عرضَ لنا حجَرٌ لا تأخُذُ فيهِ المعاولُ فاشتكينا ذلِكَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فجاءَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فألقى ثوبَهُ وأخذَ المعولَ وقالَ بسمِ اللَّهِ فضربَ ضربةً فَكسرَ ثلُثَ الصخرة ثم قال اللَّهُ أَكبرُ أعطيتُ مفاتيحَ الشَّامِ واللَّهِ إنِّي لأبصِرُ إلى قصورِها الحمراءِ الآنَ من مكاني هذا قال ثمَّ ضربَ أخرى وقال بسمِ اللَّهِ وكسر ثُلثًا آخرَ وقالَ اللَّهُ أَكبرُ أعطيتُ مفاتيحَ فارسَ واللَّهِ إنِّي لأبصرُ قصرَ المدائنِ الأبيضَ ثمَّ ضربَ الثَّالثةَ وقالَ بسمِ اللَّهِ فقطعَ الحجرِ وقالَ اللَّهُ أَكبرُ أعطيتُ مفاتيحَ اليمنِ واللَّهِ إنِّي لأبصر باب صنعاءَ }
(أخرجه النسائي والبيهقي)
الأستاذ مجاهد:
فضيلة الدكتور، النبي صلى الله عليه وسلم بشَّر بفتح الشام، وسعى لذلك، يعني بعض الغزوات في نهاية حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تمهيداً لفتح الشام، مما يدل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالشام، لو حضرتك أطلعتنا على التحركات العسكرية للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لسيدنا أبو بكر حتى تمَّ فتح الشام. |
مراحل فتح بلاد الشام منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
الدكتور بلال نور الدين:
نعم بارك الله بكم، الحقيقة أنَّ فتح الشام مرَّ بمراحلٍ كثيرة، انتهت بالفتح في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه، لكنها بدأت كما تفضلتم، باستشراف النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الفتح العظيم، في حديث ابن حوالة: |
{ كُنَّا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فشكَوْنا إليه الفَقرَ والعُرْيَ وقِلَّةَ الشيءِ، فقال: أبشِروا، فواللهِ لأَنا وكثرةُ الشيءِ أخْوَفُ عليكم مِن قِلَّتِهِ، واللهِ لا يزالُ هذا الأمرُ فيكم حتى تُفتَحَ لكم أرضُ فارسَ والرومِ، وأرضُ حِمْيَرَ، وحتَّى تكونوا أجنادًا ثلاثةً: جُنْدٌ بالشَّامِ، وجُنْدٌ بالعِراقِ، وجُنْدٌ باليَمَنِ، وحتَّى يُعطى الرَّجُلُ المِئَةَ الدينارِ فيَسخَطُها، قال ابنُ حَوَالةَ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، مَن يستطيعُ الشَّامَ وبها الرُّومُ ذَواتُ القُرونِ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: واللهِ لَيَستخلِفَنَّكُمُ اللهُ فيها حتى تَظَلَّ العِصابةُ منهمُ البِيضُ قُمُصُهمُ، المُحَلَّقَةُ أقْفاؤُهم، قيامًا على الرَّجُلِ الأسودِ منكمُ المحلوقِ، وإنَّ بها اليومَ رِجالًا لأنتم أحقَرُ في أعيُنِهم منَ القِرْدانِ في أعجازِ الإبِلِ، قال ابنُ حَوَالةَ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، خِرْ لي، إنْ أدرَكَني ذلك، قال: أَختارُ لكَ الشَّامَ، فإنَّها صَفْوةُ اللهِ من بلادِهِ، واللهُ يَجتَبي صَفْوتَهُ مِن عبادِهِ بأهلِ الإسلامِ، فعليكم بالشَّامِ، فإنَّ صَفْوةَ اللهِ منَ الأرضِ الشَّامُ، فمَن أبَى فيَسقيَ بغُدُرِ اليَمَنِ، فإنَّ اللهَ قدْ تكفَّل لي بالشَّامِ وأهلِهِ. }
(أخرجه شعيب الأرناؤوط والطبراني والبيهقي)
وفي حديث البخاري يقول صلى الله عليه وسلم بشكلٍ واضح: |
{ تُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهمْ لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ اليَمَنُ فَيَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهمْ لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ العِرَاقُ، فَيَخْرُجُ مِنَ المَدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّون، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهمْ لو كَانُوا يَعْلَمُونَ. }
(أخرجه البخاري ومسلم)
وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتجهيز بعثِ أسامة، وبدأ به وجهزه بنفسه، وأمضاه سيدنا أبو بكر بعده، فكان بوابةً لفتح الشام، ثم جاء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه بعده وقسَّم الأجناد، وبدأ بمعارك الشام، إلى أن جاء سيدنا عمر رضي الله عنه، وكان أبو عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد، رضي الله عن صحابة رسول الله أجمعين، وأُتِمَّ فتح الشام، وفتح بيت المقدس، وكان هذا الفتح العظيم الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم، واستشرفه ووضع اللبِنَة الأولى فيه، وهذا إن دلَّ على شيءٍ، فإنما يدل على أهمية هذه البلاد المُباركة، وأنَّها في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها في فكره، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يستشرف أن تكون انطلاقةً لِمَا حصل بعدها في بناء الدولة الأموية، التي بلغت حدودها إلى الصين، وإفريقيا، والمغرب، والأندلس، مما كان بعد ذلك ولله الحمد والمِنَّة. |
الأستاذ مجاهد:
فضيلة الدكتور بلال، لماذا يُعتبر فتح الشام نقطة تحوُّل في التاريخ الإسلامي؟ |
لماذا يعتبر فتح بلاد الشام نقطة تحول في التاريخ الإسلامي؟
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، الحقيقة يا أخي الحبيب أنَّ فتح الشام نقطة تحوُّل لأسبابٍ: |
أولاً: هو كان تحوُّلاً سياسياً عظيماً لأنه أدى إلى توسيع رقعة الدولة الإسلامية على الامتداد الجغرافي، وكان مهداً لانتشار الإسلام في المشرق عموماً، ثم كان تحوُّلاً دينياً وثقافياً، فأصبح الإسلام هو الدين السائد، أصبح الإسلام هو المنطلق في هذه الدول جميعاً، وكان هناك تأثير أيضاً لغوي ثقافي، فأصبحت اللغة العربية بعد العهد البيزنطي، أصبحت اللغة العربية هي لغة أهل الشام، وما بعدها من الفتوحات، والذي نعيش ببركاته حتى يومنا هذا. |
وأيضاً كان هناك تأثير اقتصادي عظيم، فالشام كما تعلمون جميعاً، مركز اقتصادي وتجاري مُهم بين أوروبا وآسيا، فهذا الفتح العظيم، كان تحوُّلاً بكل المقاييس، بالمقاييس الثقافية، والدينية، والسياسية، والعسكرية، والاقتصادية، بحيث أصبحت بلاد الشام منبعاً للخير، وبركةً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوُّته بأنها أرضٌ مُباركة، فأصبحت فيها البركة لكل العالم، اقتصادياً وثقافياً، بحيث حتى يومنا هذا بفضل الله ورحمته، أرض الشام تنشر الخير، ويأتي إليها طلاب العِلم من سبعين دولةً حول العالم، ليتعلَّموا فيها الدين، ثم يذهبوا إلى بلادهم دُعاةً إلى الله تعالى، ينشرون الإسلام واللغة العربية، فهذا كله ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقيقٌ لما استشرف به المستقبل، فكانت كل هذه التحولات على أرض الشام المُباركة. |
الأستاذ مجاهد:
فضيلة الدكتور، كما قلنا في المقدمة، أنَّ شهر رمضان هو شهر الفتوحات الإسلامية، أعظم المعارك حدثت في رمضان، من بدر، وفتح مكَّة، والقادسية، وعين جالوت، وحطين، وأخيراً حرب رمضان، هذه الحروب التي انتصر فيها المسلمون، كانت في رمضان وهو شهر الصيام، صيام المسلمين، ما هو الربط بين صيام المسلمين ونصرهم في هذه المعارك والغزوات؟ |
ما هو الرابط بين صيام المسلمين وانتصارهم في المعارك والغزوات؟
الدكتور بلال نور الدين:
لأنَّ المسلم في رمضان ينتصر على شهوته، وينتصر على نفسه، لأنَّ المسلم في رمضان يترك ما أباحه الله له خارج رمضان، فهو بالتالي يترك المُحرَّمات من باب أولى، ومَن يستطيع أن ينتصر على نفسه، فإنَّ الباب مُهيأٌ لينتصر على عدوِّه بعد ذلك، أمّا من يُهزَم أمام نفسه، فإنه غير قادرٍ على أن يواجه نملةً في ساحِ الوغى وليس جندياً، الهزيمة في الأساس هي هزيمة النفس، والنصر في الأساس هو الانتصار على النفس، لذلك النصر له مراتب، والجهاد له مراتب، فأول الجهاد وأول مرتبةٍ فيه هي بمثابة التعليم الأساسي، كما يقول شيخنا الدكتور راتب حفِظَه الله، هي بمثابة التعليم الأساسي بحيث إنك لن تستطيع أن تنتقل إلى ما بعدها إلا إذا أتقنتها، وهي جهاد النفس والهوى، قال تعالى: |
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)(سورة العنكبوت)
قال المُفسّرون: جاهدوا في حمل أنفسهم على العمل بما تعلَّموه (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا). |
ثم ينتقل إلى الجهاد بالقرآن وتعليم القرآن الكريم، ورمضان هو شهر القرآن قال تعالى: |
فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا(52)(سورة الفرقان)
والهاء تعود على القرآن الكريم (جِهَادًا كَبِيرًا) سمَّاه جهاداً كبيراً، ثم بعد ذلك يكون الجهاد البنائي، (وَأَعِدُّوا لَهُم) فنجتهد في إعداد القوة المتاحة بين أيدينا، فنبني أُمَّتنا، ونُعلِّم ونبني اقتصادنا، ونبني سدودنا، ونستخرج خيرات أرضنا، ونبني مصانعنا، ثم بعد ذلك يكون الجهاد في أرض المعركة، فإذا نظرنا إلى الجهاد بهذا المفهوم الواسع، فهمنا لماذا كان رمضان هو شهر الفتوحات، ولماذا أصبح للأسف في زماننا عند كثيرٍ من الناس، شهر الولائم والمسلسلات، رمضان شهر الفتوحات لأنَّ المسلم ينتصر على نفسه، فيُجاهد نفسه ويحملها على طاعة الله، ثم يُجاهد بالقرآن الكريم جهاداً كبيراً، ويُجاهد بقيام الليل، فيستطيع بعدها إن شاء الله أن يقف أمام عدوّه ويُجاهد عدوّه. |
الأستاذ مجاهد:
بارك الله بك دكتور بلال، يقول الله عزَّ وجل في الآية الكريمة: |
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)(سورة الحج)
السؤال: كيف ننصر الله تعالى حتى ينصرنا؟ |
كيف ننصر الله حتى ينصرنا الله؟
الدكتور بلال نور الدين:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7)(سورة محمد)
(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) ننصر الله بطاعته يا سيدي، وبالاستقامة على أمره، وبنصرة دينه وشريعته، فالمسلم ينصر الله فينصره الله، ويذكُر الله فيذكُره الله، ويرضى عن الله فيرضى الله عنه. |
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ(152)(سورة البقرة)
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)(سورة التوبة)
(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) فالمعادلة بهذا المعنى، إذا نصرنا الله عزَّ وجل بطاعته وبالاستقامة على أمره أولاً، ثم بنصرة دينه وبنصرة شريعته، فإنَّ الله تعالى ينصرنا على أعدائنا، وننصر الله أيضاً عندما ننصر الضعفاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: |
{ ابغُوني ضُعَفاءَكم؛ فإنَّكم إنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضُعَفائِكم. }
(أخرجه أبو داوود والنسائي والترمذي وأحمد)
فهذا الضعيف الذي لا يملك من أمره شيئاً، إن أطعمناه عند جوعه، وكسوناه عند عريه، ورحمناه عند مُصابه وعلَّمناه عند جهله، فإنَّ الله سيُكافئُنا بأن ينصرنا على مَن هو أقوى منّا، فلننصُر ضُعفاءنا من أجل أن ننتصر على أعدائنا، ونحن في شهر رمضان شهر المواساة، وشهر الخير والجود: |
{ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أجودَ الناسِ بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ حتى ينسلِخَ ، فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآنَ ، فإذا لقِيَه جبريلُ كان رسولُ اللهِ أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ }
(أخرجه البخاري ومسلم)
هذا ما يُسمّى اليوم أخي الحبيب في علم الاجتماع تمتين الجبهة الداخلية، فنحن عندما نكون في الجبهة الداخلية صفَّاً واحداً مُتراصَّاً، الفقير مع الغني، لا يجد الفقير حقداً على مجتمعه الذي تخلَّى عنه، ولا يجد الغني تجاهلاً للفقراء الذين كُلِّف بالإنفاق عليهم من مال الله، يتوحَّد المجتمع صفَّاً واحداً، فيصبح اختراقه صعباً، وصعباً جداً على الأعداء، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنّما تُرزَقون وتُنصَرونَ بِضُعَفائِكم) فنُصرتنا لله تعالى تكون بالاستقامة على أمره، بقطع المعاصي، ثم بالهبَّة لنصرة دينه وشريعته، وتعليم كتابه للناس، ثم بنصرة الضُعفاء والمستضعفين، وإعطائهم حقوقهم، ليكون بعد ذلك المجتمع صفَّاً واحداً في وجه المؤامرات الخارجية. |
الأستاذ مجاهد:
بارك الله بك دكتور بلال، الآن معنا أسئلة من الجمهور، نطرح على فضيلتكم عدد من هذه الأسئلة، في هذا السؤال يقول صاحب السؤال في ظل هذا الصراع القائم بين الحق والباطل، كيف لنا أن نستفيد من فتح الشام، ليتحقَّق لأصحاب الحقّ التمكين والنصر، ويتحقَّق فينا قوله تعالى: |
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)(سورة النور)
المعركة بين الحقّ والباطل مستمرةٌ إلى قيام الساعة:
الدكتور بلال نور الدين:
نعم الحق والباطل معركةٌ مستمرة، شاء الله تعالى أن تكون موجودةً، فإنك لن تجد في التاريخ كله، ولن تجد في المستقبل إلى قيام الساعة، وقتاً يستفرد فيه الحقُّ بالساحة، فلا يُنازعه أهل الباطل، ولن تجد أيضاً وبفضل الله، وقتاً يستفرد فيه الباطل بالساحة فلا يُنازعه أهل الحق، ولكن كلما اتسعت دوائر الحق، ضاقت دوائر الباطل حُكماً، ولكنها لا تنقضي والعكس بالعكس، فالمعركة مستمرة، وقائمة إلى قيام الساعة، وهذا قدرنا وهذه سُنَّة الله تعالى في حياتنا، أن يكون الحق والباطل في صراعٍ مستمر، لأنَّ الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأنَّ أهل الحق لا يستحقّون الجنَّة إلا بالبذل والتضحية والفداء. |
نستفيد من فتح الشام الدروس العظيمة، في أنَّ الباطل لن يستمر، وبأنه زهوق، وبأنَّ التمكين قائمٌ وآتٍ لا محالة، وأننا يجب أن نقلق على أنفسنا، هل نحن في صف الحق؟ هل نحن جنودٌ له أم لا؟ وأمّا التمكين فهو قادم، الشام فُتحت ولله الحمد والمِنَّة، وبيت المقدس سيُفتح، وهذا وعد الله ووعد الله لا يتخلف، ولكن أين نحن منه؟ هل نحن في صف أهل الحق؟ هل نحن مع أهل الحق؟ هل نصرنا الحق؟ هل وقفنا معه؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نسأله أنفسنا، أمّا الوعد فمتحققٌ لا محالة. |
أسئلة المشاهدين:
الأستاذ مجاهد:
نعم بارك الله بك دكتور بلال، يقول صاحب السؤال، وهو يبدو من سؤاله أنه من أهل سورية، يقول: إن كان الانتساب والتطوع مع الأمن العام أو الجيش السوري غير ممكن حالياً، هل رباطنا في الشام وعدم السفر خارجها، وصبرنا على الأوضاع الاقتصادية، بإذن الله تكون جهاداً أو نُثاب عليه؟ وشكراً لكم. |
الدكتور بلال نور الدين:
نعم، أعتقد يقيناً أنَّ المُكث الآن في بلاد الشام، ولو أن يكون تاجراً، أو عاملاً، أو في أي مكان يكون فيه، أنا لا ألوم مَن يخرُج ولا أُجرِّمه، ولا أُأثِّمه، كل إنسان يبحث عن رزقه، ويبحث عن قوت عياله، ويبحث عن علمه أو دراسته لا بأس، لكن من يبقى في الشام بنيِّة الرِباط، وأن يُكثِّر سواد المسلمين في الشام، وسواد الصالحين، وسواد المؤمنين، بقضية الشام وبأنَّها إن شاء الله ستنهض من كبوتها، وستعود أقوى مما كانت بإذن الله، من يبقى لهذه النيَّة، بنيِّة الرباط، أقول نعم هو مُثابٌ إن شاء الله، لأنه يعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشام في آخر الزمن). |
الأستاذ مجاهد:
نعم، هناك أسئلة متعلقة بصيام شهر رمضان، يقول صاحب السؤال: أنا مريض سُكَّر ولا أستطيع الصيام، فكيف أقضي عن صومي؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
المريض مرضاً مزمناً بحيث لا يُتوَقع شفاءٌ منه، الشفاء بيد الله في أي وقت، ولكن المرض المزمن كالسُكَّري الذي لا يُتوَقع في الوقت المنظور شفاءٌ منه، فإنَّ المريض هنا لا يقضي، إلا إن شُفيَ من مرضه، وإنما يفدي، فيدفع فديةً عن كل يوم إطعام مسكين، وفي كل دولة يُقدِّر الإفتاء فيها القيمة، إن أحب يخرج المال للجمعيات ليطعموا الناس به، أو يُطعِم هو مسكيناً مما يأكل أهل بيته. |
الأستاذ مجاهد:
بارك الله بك فضيلة الدكتور، سؤالنا الأخير متعلق بشهر رمضان، تقول صاحبة السؤال: هل يُقبَل الصوم من كان عليه قضاء من رمضان الماضي. |
الدكتور بلال نور الدين:
نعم يُقبَل صومك إن شاء الله، أخلصي النيَّة فيه لله إيماناً واحتساباً ويُقبَل، وما لم تصوميه من العام الماضي فصوميه إن شاء الله بعد رمضان، الأصل في المؤمن أن يُسارع إلى قضاء ما عليه، قبل أن يأتي رمضان الذي بعده، فإن أخَّر لعذر فلا شيء عليه، وإن أخَّر القضاء حتى أتى رمضان القادم لغير عذر، فالأَولى مع الصيام أن يدفع فديةً، لكن هذا لا يمنع من قبول صيامه بلا شكّ، ولو بقي عليه ما بقي من رمضان الماضي، فإن صيامه مقبولٌ إن شاء الله عند الله تعالى. |
الأستاذ مجاهد:
سؤالنا الأخير في هذه الحلقة متعلق بالصيام، فضيلة الدكتور يقول صاحب السؤال: هل السواك الطبيعي أو الغسيل بفرشاة الأسنان والمعجون يُفسِد الصيام؟ |
الدكتور بلال نور الدين:
كله لا يُفطِر ولا يُفسِد الصيام، بل إنَّ السواك من خلال الصائم، يعني من السُنَن للصائم والمندوبات أن يستخدم السواك خلال صومه، فلا فرشاة الأسنان ولا السواك يُفسدان الصيام، ولكن إذا استخدم الفرشاة لأسنانه، فليتمضمض حتى يُخرِج المعجون من فمه، دون أن يُبالغ في المضمضة، حتى لا يدخل شيءٌ إلى الجوف، لكن السواك من خلال الصائم والفرشاة أيضاً لا تفسِد الصيام. |
الأستاذ مجاهد:
بارك الله بك دكتور بلال، وصلنا لنهاية الحلقة، أشكرك شكراً جزيلاً الأستاذ الدكتور بلال نور الدين الداعية الإسلامي على وجودك معنا، شكراً يا دكتور. |
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم وحفظكم، كل الشكر. |